• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

عَوَزٌ من نوعٍ آخر

نجاح الجيزاني / السبت 06 حزيران 2020 / ثقافة / 2588
شارك الموضوع :

إلتفتُ اليها فرأيت الفقر واضحا على ملامحها، قد أكلت الفاقة محاسن أيتامها، ثيابهم رثّة، سحناتهم مُتربة..

في ظهيرة يوم قائظ، والشمس كانت قد اعتلت وتوسطت كبد السماء، تبعث بأشعتها البيضاء الحارقة نحو الأرض، لتحيل حياة ساكنيها إلى مرجل فوّار، وأنا أمشي بمحاذاة حائط مديرية التربية نادتني قائلة:

_ ساعدني ياولدي أرجوك لأجل هؤلاء الأيتام.

إلتفتُ اليها فرأيت الفقر واضحا على ملامحها، قد أكلت الفاقة محاسن أيتامها، ثيابهم  رثّة، سحناتهم مُتربة.. قلتُ في نفسي: طوال حياتي لم أحنِ قامتي لأحد، ولم أُرق ماء وجهي، يتيما عشتُ مذ فتحت عينيّ على هذه الدنيا، أُستشهد والدي إبّان الانتفاضة الشعبانية عام ١٩٩١، وأنا لم أزل جنينا قابعا في ظلماتٍ ثلاث.

_ أرجوك ياولدي ساعدنا، فليس لهؤلاء مُعيل غيري، أُستشهد أبوهم قبل سنة بالقصف الامريكي للمنشآت، وها أنت ترانا اليوم نفترش الأرض في عز الظهيرة، ساعدنا أرجوك ليس لأجلي بل لأجل هؤلاء الأيتام.

رفعتُ رأسي نحو السماء وقلت:

_ وما أكثر الأيتام في بلدي؟!

إنتبهتُ لنفسي، لملمتُ شتات روحي المبعثرة، أعطيتها المقسوم وقلبي يكاد يتمزّق حسرة على أطفالها المساكين.

إنه قلبي الرهيف ياسادة، ينتفض إذا طرقت سمعه كلمة أيتام، يكاد ينفطر ويتشظى إلى قطع متناثرة كقنبلة موقوتة.. ها هو يطلق صفارة الآه من أعماقه، بل إنه يلملم كل شتات الآهات، ليبرقها رسالة احتجاج لكل العالم: أن قفوا وٱنظروا إلى اليتم كيف نما في بلدي، وكيف ضربت جذوره واستطالت ذراعاه..

آه ثم آه.. كم وددتُ يا إلهي أن أُميت اليتم وأقبره؟!  وكم هو جميل أن يغدو الإنسان مجرما في قضية قتل نبيلة كهذه؟!

لكنني اليوم ما عدتُ أطيق رؤية الظلامات، إنها تطبق على أنفاسي وتخرجني عن طوري.. ربُاه إنني لا أطلب المدينة الفاضلة ولا الجنائن المعلّقة، فقط أريد الإنصاف والعدالة، هل ما أطلبه كثير؟!

لكن ما رأيته بعد أن تركتُ المرأة وأيتامها أصابني بالذهول، لقد كان موقفا صادما بكل معنى الكلمة.

حدث ما لم يكن حتى في الحسبان..

صوت نداء استغاثة، جاءني مسرعا من إمرأة أخرى، كانت واقفة على بعد ثلاثة أمتار من هؤلاء..

أشارت لي وهي تنادي:

_ هلمّ هلمّ ياولدي لو سمحت..

_ نعم ياحاجّة ماذا تريدين.؟

_ ساعدني ياولدي فأنا أيضا لدي أيتام!!

حاولتُ أن أتملّص منها، إذ إنني على عجلة من أمري فقلت:

_ الله يعطيكِ ياخالة.. وٱستدرت

وإذا بها تصيح بصوت عالٍ:

_ وحق علي أبو الأيتام عندي أيتام!

عدتُ ثانية إليها وسألت:

كم يتيما عندك ياخالة؟

_ عندي خمسة أيتام صغار تركتهم في البيت، فأنا أرملة منذ عشرين عاما، وليس لدي أطفال!!

إستغربتُ من كلامها، كيف تكون أرملة منذ عشرين عاما ولديها خمسة أيتام صغار، هل هي حزورة أم سفسطة أم ماذا؟

تركتها وانصرفت.. وقد جالت في رأسي أحلامي وأمانيّ التي غابت في هوّة العدم، كانت تدور في مخيلتي وبين تلافيف ذاكرتي، بقيتْ تسرح بلا مرعى، لم ألحّ يوماً في تحقيقها، وأنا أرى كل يوم أُناساً في طريقي يتحسّرون على حياة هانئة، بينما هم يتأرجحون في فضاء الحرمان، كنتُ أتمنى أن يروّضوا الرياح كي تأتي لهم بما يشتهون، لكنهم للأسف يعيشون في دولة نفطية، ذات ميزانية انفجارية يسيل لها لعاب الشرق والغرب.

مثل هذه المرأة كثير هنا، هل ترَكَتني؟ لا... لقد لحقت بي وهي تلحُّ في الطلب قائلة:

_  أنت لا تصدّقني يا ولدي، أرجوك تعال معي الى البيت حتى أريك أيتامي.. ذاك هو بيتي إنه قريب.

وأشارت إليه فهو على بُعد عشرة أمتار من مكان تواجدنا.. لكنني ترددتُ بادىء الأمر؛ ظننتُ انني أواجه مكيدة، أو ربّما كمينا نصبته لي مع شخص آخر، ما يُدريني؟!

إستطرَدَتْ قائلة ونحن نتوجه تلقاء بيتها:

_ ماتت أمّهم بعد ولادتها مباشرة، في حادث دهس أمام منزلي، فما كان مني إلا أن أخذتُ أطفالها، قلتُ لأكسب ثواباً في رعايتهم ومداراتهم، فهم لا يزالون صغارا.. وأنت تعلم ياولدي أنّ راتب الرعاية الاجتماعية ضئيل لا يكفي لإطعامي وإطعام هذه الأفواه الخمسة، إنه سرعان ما يتبخّر تحت وطأة  نيران غلاء المعيشة، حتى إنه لا يكاد يصل لمنتصف الشهر.. فماذا أفعل؟

وصلنا إلى البيت، أدارت المفتاح في قفل الباب، تركت باب بيتها مواربا، ثم أشارت بإصبعها إلى صندوق كرتوني؛ وضعته خلف الباب الداخلي وهي تقول:

_ هؤلاء هم أيتامي ياولدي!!

صدمتُ من هذا المنظر، ضربتُ كفّاً بكف، طَفِقتْ كل مشاعر الأسى والضجر تموج في كياني، حدّقّتُ بها بغضب، وٱنفجرتُ قائلا:

_ أستغفر الله .. هل تمزحين معي؟ وهل جئتِ بي طوال هذا الطريق كي تُريني هؤلاء؟!

_ وماذا بها ياولدي؟ وهل اليُتم مختص ببني البشر؟! حتى الحيوان معرّض لليُتم، ويحتاج للمداراة والإعتناء به حتى يكبر،  لقد دخلت إمرأة النار بسبب قطة منعتها وحرمتها كما قال الرسول.

لقد أفحمتني بجوابها ومنطقها.. هدأتُ قليلا ثم مددتُ يدي إلى جيبي، وأخرجت مبلغا من المال وناولتها إيّاه.

_ هذا المبلغ يكفي لشراء حليب لأيتامكِ لمدة شهر كامل.. هل أنتِ راضية؟

_ كل الرضا ياولدي.. كثّر الله من أمثالك.

وقبل أن أهمَّ بالانصراف عنها، قلت في نفسي:

_ ما أشد تعاستنا نحن البشر!! إذا كان راتب الرعاية الاجتماعية لا يكفي حتى لرعاية خمسة قطط بائسة... فكيف لآدميين؟ لله درّها من رعاية!!

لكنني نصحتها قائلا:

_ إذا كبر أيتامك ياخالة، اتركيهم يأكلون من خُشاش الأرض من رزق الله.

فأجابتني على الفور:

_  سأفعل ذلك ياولدي، إذا تشكّلت لدينا حكومة عادلة تنصف الشعب، وليس حكومة سُرّاق أو قطّاع طرق!.

الانسان
الفقر
الظلم
قصة
الاخلاق
مفاهيم
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أبا الفضل.. بقية الدمع في مآقينا

    القيم والمآثر الأخلاقية في حياة الإمام الحسين

    أنصار الحسين يوم عاشوراء: قصة التضحية والوفاء الأبدي

    ارتفاع هائل في استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي

    بناء التنوع.. شعار اليوم العالمي لهندسة العمارة

    جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية تنظم فعاليات نادي ريحانة الصيفي للفتيات

    آخر القراءات

    سجادة علاء الدين!

    النشر : السبت 08 حزيران 2019
    اخر قراءة : منذ ثانية

    الإمامُ الشيرازي.. منجَزٌ متميّز وحضور متجدد

    النشر : الأربعاء 27 آيار 2020
    اخر قراءة : منذ ثانية

    فلسفةُ الختام

    النشر : الخميس 07 تشرين الاول 2021
    اخر قراءة : منذ ثانية

    الجيل الناشئ وثبات الأخلاق

    النشر : السبت 22 آب 2020
    اخر قراءة : منذ ثانيتين

    لماذا يتمادى ماكرون في الإساءة إلى الاسلام؟

    النشر : السبت 31 تشرين الاول 2020
    اخر قراءة : منذ ثانيتين

    فضائيات عربية تساهم في ترويج الصورة الخاطئة

    النشر : الخميس 10 كانون الأول 2020
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1201 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو": صدفة؟ أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 435 مشاهدات

    بعد تراجع وفيات النوبات القلبية.. ما الذي يُهدد حياتنا الآن؟

    • 431 مشاهدات

    ابتسم… أنت تمضي بلا هوية

    • 406 مشاهدات

    محرّم في زمن التحول

    • 377 مشاهدات

    تحدّي عاشوراء: أربعون يوماً لتكون حسينيّاً في زمن الضياع

    • 375 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 1546 مشاهدات

    القليل خير من الحرمان

    • 1316 مشاهدات

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1201 مشاهدات

    وميض من التاريخ: تتويج إلهي بالولاية

    • 1171 مشاهدات

    الخلود في زمن التفاهة: كيف ينتصر علم الإمام علي على مادية العصر

    • 1106 مشاهدات

    الإمام محمد الباقر: منارة العلم التي أطفأها الظلم

    • 934 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    أبا الفضل.. بقية الدمع في مآقينا
    • منذ 12 ساعة
    القيم والمآثر الأخلاقية في حياة الإمام الحسين
    • منذ 12 ساعة
    أنصار الحسين يوم عاشوراء: قصة التضحية والوفاء الأبدي
    • منذ 12 ساعة
    ارتفاع هائل في استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي
    • منذ 12 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة