بلا شك يمثل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واسطة الفيض الإلهي لتنوير طريق البشرية وايصالهم إلى السعادة والكمال، ويعتبر المنهج المحمدي بحسب انطباع الأمم السابقة والحاضرة عليه على أنه منهج مسالم ورحيم، فقد اتصف رسول الله بالرحمة الكبيرة والصدر الرحب عند كل الأديان والأقوام، وقد ورد على لسان أحد الغربيين:
"لقد كان محمد روح الرأفة والرحمة وكان الذين حوله يلمسون تأثيره ولم يغب عنهم أبدا"[1]
فمن الصفات التي عرف بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الرحمة والرأفة وبالتأكيد هذا ما يؤكده القرآن الكريم بقوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"[2]
ذكر المهاتما "غاندي" قائد حركة استقلال الهند:
"أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر، لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته، هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف، وبعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة".
كلام غاندي يؤيد فكرة الرحمة التي عرفت بها شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فبالرغم من الحروب التي خاضها الرسول إلا أنه عرف بالرأفة والرحمة ولكن هنالك جانب آخر من المهم جدا الإشارة إليه وقد غفل الكثير عنه ولاسيما الغرب ألا وهو جانب الشدة.
يقول عز وجل في سورة الفتح: "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ..."[3]
فالرحمة صفة غالبة في شخصية الرسول، ولكن الشدة أيضا هي من أحد الصفات الأساسية التي جعلها الله عز وجل مقابل صفة الرحمة التي امتاز بها رسول الله وأتباعه، فالإسلام الذي يحوي الرحمة ويخلوا من الشدة هو اسلام ناقص، لأن الصفتين أساسيتين للتوازن العقائدي عند الإنسان المؤمن.
صفة الرحمة خاصة بالمؤمنين مع بعضهم البعض وصفة الشدة خاصة مع الكفار، ولا يمكن مبادلة هذين الصفتين مع بعضهما البعض كأن نكون شديدين مع بعضنا ورحماء مع الكفار!
مع بالغ الأسف استطاع الغرب أن يستدرج عقول الناس من باب مبدأ المساواة والتعايش السلمي وحاول أن يساوي المؤمن والكافر في كفة واحدة فقد أصبح الكثير يتعامل مع العدو الكافر الذي لا يريد بالإسلام خيرا تعاملا باردا من باب الترحم، والفاجعة الأكبر أنه ينسب تعامله أو عدم مبالاته إلى الرسول ويقول بأنه يتعامل بأخلاق دينية!
الدين واضح وصريح الرحمة لا تقر للعدو فليس من المعقول أن أكون لطيفا مع من يريد أن يسلب مني ديني!
أي تعايش سلمي يجبر اليوم الخطيب أو الشاعر أو المعلم أو المثقف أو الجامعي أن لا يدافع عن دينه ولا يفضح هواجس العدو وطرقه الخبيثة التي يريد بها أن ينال من الإسلام؟
هل هذه هي الشدة التي وردت في القرآن الكريم وكان يتعامل بها الرسول مع أعدائه في ذلك الوقت؟!
هل قبول الشواذ والترحيب بهم في المجتمع هو تعايش سلمي أم ترويج للانحراف والضلال؟، هل هذا العمل يجب أن يقابل بالرحمة أم الشدة؟
تعامل الرسول وأتباعه مع العدو الذي كان يريد ضرب الإسلام وتشويه الأفكار كان تعاملا شديدا، فالحروب التي وقعت والقتال الذي حصل آنذاك كان مع كفار قريش وغيرهم من الذين لم ينصروا الإسلام ولم يريدوا للخط المحمدي أن يستمر، فقابلهم الرسول بالشدة التي وصاه الله عز وجل به.
يقول عز وجل: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"[4]
ولأننا من أتباع رسول الله إذن الكلام الإلهي موجه لنا أيضا فقد وردت في آية الشدة "وَالَّذِينَ مَعَهُ"، إذن ألسنا مع رسول الله وعلى نهجه؟
إذن من المهم جدا تشخيص محور الباطل والتعامل معه بشدة، فالرأفة والرحمة لم تكتب لمن أراد السوء بدين الله، وما نشاهده اليوم بأن الغرب يحاول بكل الطرق أن يشوه المفاهيم الإسلامية الصافية ويزرع مكانها ما هو سام وخبيث ولكن بقناع خادع جميل، فما يترتب على الناس اليوم هو فضح العدو والوقوف أمامه بعزم وقوة وشدة وعدم السماح له بأن ينخرط في بيوتنا وجامعاتنا ومجتمعنا وينال من أطفالنا وشبابنا وبناتنا.
فالشذوذ والجندرة والنسوية وحركات الحرية الزائفة وغيرها من الأمور هي رصاص ناري موجه نحو قلب الإسلام!
فهل من المعقول أن نواجه هذه الحركات بقلب سمح ورحمة وتكافل وهم يصوبون نحو الدين ويريدون قتل أبنائنا معنويا وعقائديا؟!
كذلك التطبيع مع إسرائيل وغيرها من الأمور التي تحصل اليوم من باب المداراة مع عدو الإسلام هل يجب أن تقابل بالشدة أم الرحمة؟!
يقول أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالبٍ (عليه السَّلَام): "أكبر الأعداء أخفاهم مكيدة"[5].
فالكيد في اللغة: هو المضرَّة والمكر والخبث، الأَخْذُ على خَفَاءٍ، ولا يُعْتَبر فيه إِظهارُ خِلاَفِ ما أَبْطَنَه، ويُعْتَبر ذلك في المَكْرِ، والسّعيّ في فساد الحال على وجه الاحتيال والخداع.[6]
وهذا هو وجه الغرب اليوم المليء بالمكر والخداع والفساد، فتراه يلبس الباطل رداء الحق ويظهره إلى المجتمعات ويحاول أن يخدع الشباب والفتيات ويبلط لهم طريق الانحراف ويملأه بالزهور لينجذبوا إليه ويسيروا فيه ولا يشعرون بأنفسهم إلاّ وقد وصلوا إلى النهاية ووقعوا في الهاوية!
لذا الحذر من العدو واجب جدا، فيجب على المؤمن أن يكون شديدا مع عدو الله، وأن لا يرضى لأي أحد أن يمس الدين بفكرة أو حركة أو موقف لأنه سيضر نفسه وأهله وأمته ودينه.
كيف يكون المؤمن شديدا مع العدو؟
إن معاني الشدة تختلف بحسب موقع كل شخص ومنبره الخاص، فالشدة بالنسبة للجندي الواقف على الساتر تتمثل بالرصاصة التي تخرج من فوهة بندقيته ويصوب بها قلب العدو.
والشدة بالنسبة للكاتب والمدون وصانع المحتوى تتمثل بالقلم الذي يكتب بالحق فيفضح من خلاله أساليب العدو ويرفع به الستار ليكون كل شيء واضحا وجليا للجمهور، ليعرفوا ويميزوا بين ما ينسجه العدو من الباطل وبين ما أنزله الله من الحق.
وأما بالنسبة للمعلم والأستاذ والشاعر والخطيب والجامعي هي الكلمة التي تخرج من فمه فينصر بها الحق ويدحض بها الباطل فيتعرف الناس على العدو، ويبين لهم رواسب الكفر في عموم المجتمع.
وأما بالنسبة للفنان هو المشهد الذي يؤديه أمام الشاشة فيكشف عن الناس ستار الجهل ويبين لهم الحقائق الحاصلة في الواقع ويفضح النوايا.
وأما بالنسبة للمصور هي العدسة التي يلتقط بها صورة لوجه الحق فيتعرف الناس من خلالها على ملامحه ويميزونه عن ملامح الباطل.
وأما بالنسبة للأم الشدة تمثل التصرف أو السلوك الذي تستطيع من خلاله أن توجه به أطفالها وترشدهم الى طريق الخير والصلاح، الشدة هي طريقة التربية التي تستخدمها الأم في صناعة جيل واعٍ ومقاوم.
والجميع على حد سواء يستطيعون من منابرهم الخاصة سواء برصاصة، بكلمة بصوت، بموقف، بسلوك، بصورة، بتعليق على منشور، أن يكونوا شديدين مع الكفار ورحماء بينهم.
فكل كلمة وتصرف لا تغضب العدو ولا تكون شديدة عليه هي ضد كلام الله الذي ورد في الآية الشريفة، وكل شخص لم يراع المعايير الإسلامية بجملة (رحماء بينهم أشداء على الكفار) فهو ليس من أتباع رسول الله وليس في خط محمد وآل بيته.
اضافةتعليق
التعليقات