مدرستي هي التي تنّمي عقلي، وتعلّمني اللغة والتاريخ والثقافة، مدرستي هي دربي الأول للنجاح ففيها المتعة والفائدة، واقضي بها أجمل الأوقات مع أصدقائي، هكذا يراها الطالب المجتهد الذي يأخذ منها مايكفيه من زاد العلم ليتزود به بمسيرة حياته، أما ذلك الذي لم يشعر بالإنتماء والامتنان وأهمية مدرسته فتظهر عليه سلوكيات وتصرفات وأولها رسوبه المتكرر ومعاملته غير المنضبطة مع زملائه ومدرسيه وتخريب ممتلكاتها، وظاهرة الكتابة على الجدران هي واحدة من السلوكيات السيئة غير الأخلاقية التي أخذت بالتزايد لا سيما في المناطق الشعبية .
فعبارة (احبك مروة) او (العشك كاتلني) التي يصفون بها مشاعرهم الجياشة او عبارة تذمر واستهجان مثل (أنا ومدرسي في النار) او( المدرسة سجني الطويل) وغيرها نجدها مكتوبة بمادة (السبريه) بخط كبير على جدران المدارس، وهناك من اثار الانتقاد والاستغراب كعبارة (المدرسة مطلوبة عشائريا) التي كتبت على جدار احدى المدارس الابتدائية في محافظة البصرة بسبب خلاف بين المدير واحد الاشخاص.
أما عبارة (المدرسة للبيع.. والمدير مجانا) المكتوبة على جدران متوسطة (الغفران) للبنين أثارت الدهشة والضحك لكل من قرأها.
وللوقوف على أسباب هذه الظاهرة قام (موقع حياة بشرى) بطرح مجموعة من الأسئلة على ذوي الشأن والاختصاص لمعرفة آرائهم والطريقة الأمثل لمعالجة هذه الظاهرة.
ما هي العقوبات والاجراءات التي تفرضها المدرسة للحد من هذا السلوك؟
أجابنا المعاون خالد السعدي معاون في ثانوية البيان قائلا: نحن نطبق العقوبات وفق القانون وليس اجتهادا شخصيا، والمادة (64) من قانون وزارة التربية لنظام المدارس الثانوية نصت على: (يعتبر الاهتمام والاعتناء ببناية المدرسة ومرافقها وأثاثها ومعداتها وأجهزتها ولوازمها جميعا من واجبات الطلاب الأساسية وإذا ثبت لإدارة المدرسة تعمد أي من الطلاب في تلفها او كسرها او فقدانها كليا او جزئيا يغرم ثمنها ويعاقب بالعقوبات المناسبة عنها) ونحن نطبق هذه المادة، لكن الجزء الذي يخص تغريم الطالب في حال ثبوت إتلافه او كسر أثاث المدرسة او العبث في بنايتها معطل حاليا لوجود تعليمات وزارية تنص على عدم أستيفاء أي مبالغ مادية من الطلاب او ذويهم.
وتعطيل هذه الفقرة المهمة والضرورية جعلت الطالب يتجرأ على العبث بالممتلكات العامة وعدم الحفاظ على كتبهم المدرسية (فمن امن العقاب أساء الأدب) علما إن هذه الفقرة منصوص عليها منذ سنة (1977) وكان معمولا بها ثم تعطلت، وأنا من المؤيدين لهذه الفقرة لأنها من الحلول الناجعة في الحد من هذه الظاهرة.
مديرة مدرسة البنات (ف.م) والتي رفضت ذكر اسم مدرستها كان لها رأي قالت فيه: البنات أكثر هدوءً من الأولاد وبالتالي هنّ اقل اضراراً بالممتلكات العامة، لكن ظاهرة الكتابة على الجدران او في دورات المياه بالقلم الرصاص والجاف موجودة واغلب الكتابات تكون أشعار غزلٍ او حكم وأمثال شعبية او نقد للمدرسات وهلم جرا..
لكن لم نجد كلمات نابية وغير أخلاقية والحمد الله، أما عن الإجراءات فنحن كإدارة مدرسة قمنا بتوجيه وتحذير مستمر خلال مراسيم رفع العلم وفي حال ضبط طالبة تخالف التعليمات ستواجه عقوبة منها إحالة الطالبة الى المرشدة التربوية في المدرسة لمعرفة أسباب قيامها بهكذا عمل وخصم من درجات السلوك واستدعاء ولي الأمر وبهذه الإجراءات قُوضت هذه الحالات بنسبة كبيرة فهي افضل الحلول، وكذلك نحن نروم كتابة لافتة كبيرة تضم مجموعة من النصائح والتعليمات للحفاظ على ممتلكات المدرسة وكذلك العقوبات التي تلحق بالطالبة المخالفة ونضعها وسط المدرسة.
الشابة (ز.م) ناشطة مدنية وعضو في تجمع شباب نحو الافضل قالت: اولا يجب ان نعلم انها ظاهرة شائعة في اغلب دول العالم حتى المتقدمة منها، لكن بنسب متفاوتة وموجودة في الوطن العربي بنسب مرتفعة ففي مصر مثلا اذكر حين ذهبت في زيارة لاحظت الكتابة منتشرة على جدران المدارس والعمارات والشيء المضحك الذي صادفني هو كتابة (شكو ماكو) في كثيرٍ من الأماكن وعندما سألتُ مجموعة من الشباب المصريين: أيه معنى الكلام ده؟
أجابوا: مش عارفين!.
أما في دول الخليج فالكتابة تطال جدران البيوت والجوامع ايضا، ونحن في العراق لا يستطيع شخص ان يتجرأ على جدران الجوامع او البيوت الاّ ما ندر ويعود السبب لتربية الأهل في المنع الشديد وتاثير البيئة المحيطة بالشاب، ولا اعلم لماذا جدار المدرسة منتهك هكذا رغم إن المدرسة مقدسة مثل الجامع!.
واعتقد إن السبب يعود لدور الأهل بغرس مفاهيم وقيم تحصن الشاب من السلوكيات الخاطئة والمنحرفة ومنها الحفاظ على الممتلكات العامة، لكن للأسف اغلب الأهالي ينتقدون ويعاقبون أبنائهم اذا قاموا بتخريب غرض منزلي، ويسكتون ويتهاونون اذا علموا إن ابنهم قام بتخريب شيء من الممتلكات العامة وهذه مصيبة!!، وافكار بعيدة عن الاسلام والثقافة والحس الوطني وحب الوطن.
هل يتعلق هذا السلوك بالحالة النفسية للشاب او المراهق؟
هذا سؤالنا الى ليلى احمد الخفاجي دكتورة في علم النفس فأجابت قائلة: إن الكتابة والكلام والصراخ والاشارة كلها أشياء تعبيرية، وقد تكون متنفس عن مشاعر مكبوتة، لكن اذا جاءت بالطريقة او الوقت او المكان الخطأ أصبحت حالة نفسية او سلوك لا اخلاقي كما يفعل الطالب على جدران مدرسته وهو ايضا يعتبر شكل من اشكال البوح بما يجول بخاطره فيلجأ لهذه الطريقة الخاطئة بسبب القيود الاجتماعية وضوابط المدرسة، لهذا نجد اغلب الكتابات عن الحب ووصف المعشوق او نقد واستهزاء للمدرسة بعكس ما كان يفعله الشباب في السنين المنصرمة فكان جل همهم كتابة الشعارات المناهضة للحكومة.
والحلول تبدأ من المدرسة لان مهمتها الاساسية هو الاعداد والتربية الصحيحة والسليمة للطالب.
ختاما، في اليابان يقوم الطلاب مع مدرسيهم بتنظيف مدرستهم كل يوم لمدة ربع ساعة قبل بدء الدوام ﻣﻤﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﺟﻴﻞ ﻳﺎﺑﺎﻧﻲ ﻣﺘﻮﺍﺿﻊ ﻭﺣﺮﻳﺺ ﻋﻠﻰ ممتلكات مدرسته وﻨﻈﺎﻓتها، أما في العراق فقد صدرت تعليمات من وزارة التربية تصل الى اقالة مدير المدرسة من منصبه اذا ثبت تكليفه للطلاب بتنظيف صفوفهم، وهذه واحدة من القوانين غير الصحيحة (المعيوبة) والتي ساهمت بجعل بعض الطلاب اتكاليين ولا تهمهم نظافة المدرسة، والعبث بالممتلكات العامة مثل تكسير الاثاث او الكتابة على الجدران او في دورات المياه كلها اعمال تخريبية وسلوكيات خاطئة وطرق علاجها بيد المدرسة والبيت، فعلى كادر المدرسة التوجيه والارشاد والتحذير واستخدام مبدأ الثواب والعقاب لتهذيب وإصلاح وتحسين سلوك الطالب باعتبار المدرسة هي الحاضنة التربوية والتعليمية، واليد الثانية بعد الاهل التي تساهم بغرس القيم والمثل السامية في نفوس طلبتها.
وحتى لا يصاب الطالب بالازدواجية والتناقض على اولياء الامور ان تتوافق تعليماتهم ومدى تركيزهم على الخطأ والصواب مع المدرسة، فمثلما الام تعلّم ابنائها المحافظة على نظافة بيتهم وغرفهم عليها ايضا ان تلفت انتباههم باستمرار على اهمية المدرسة ونظافتها .
اضافةتعليق
التعليقات