هناكَ في غديرِ خم، السنةُ العاشرة بعد هجرةِ الرسول (ص) وحيثُ طريق الحجّ أنذاك كانت القوافل في طريقها للرجوع من مكّة بعد أداء المناسك..
في تلك المنطقة أتى الأمر الإلهي يقتضي تنصيبَ خليفةٍ بعدَ الرسول، بل كانَ مشخصًا من قبلِ السماءِ حيثُ لايمكنُ التحكمُ في هذا الامر من قبلُ ومن بعدُ، حينها أمرَ الرسولُ بإبلاغِ القوافل بالمكوثِ ريثما يلقي عليهم خطابًا، إجتمع الحجاج فصعد الرسول على الأقتاب ثم أوصاهم ببضع وصايا أخيرة فهو راحلٌ عما قريب عنهم ثم قال لهم: أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه..
حينها تسمّرت تلك الثلة في مكانها وهي غير مستوعبة لما قيل قبل قليل، كان ذلك الخبر بمثابةِ الصاعقة... فمن هنا بدأت رحلةٌ جديدة من التحدياتِ التي كانوا يعتقدون إنتهائها برحيل النبي وكم خططوا لأغتياله ليسبقوا الزمن بذلك والآن نُصب عليٌ (ع) وأمام جموعِ الحجيج، وحيث لا مفر من الإنكار..
صاروا يتهامسون فيما بينهم كيف لهم أن يتخلصوا من ذلك؟!.
وهناك في البعيد يحمّلق الشيطان بهم، ثم وسوس في صدورهم أن يوم الرحيل فتشبثوا بسقيفتكم!
وألقى إليهم شر الحسد نجمَ عنهُ تلك الصحيفةُ السوداء التي تعاهدوا فيها على أن يَقبروا أهل ذلكَ البيت، وإن تمّ ذلك فسوف تخلوا لهم الخلافة!.
تبًا لهم يظنون أن من جلس على العرش يصبح خليفة الرسول فقط !
أليس علي ملك الدنيا وإلى هذا اليوم ولم يكن يملك من حطام الدنيا شيئا!
ألم يطلق الدنيا ثلاثا لا رجعةَ فيها أليس هو القائل إليك عني يا دنيا غري غيري! ألم يقل ذات مرة: ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز!، ألم نسمعه يردد: والله ماكنزت من دنياكم تبرا ولا ادخرت من غنائمها وفرا ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا!.
وقال أيضا: والله لقد رقعتُ مدرعتي حتى إستحيت من راقعها ولقد قال لي القائل إنبذها عنك.. فقلتُ: إغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى!.
لذلك شاءت إرادةُ الله تنصيبَ خليفةٍ يرثُ الأرضَ خلفًا للنبي ويكون مطابقًا له في فكره ونهجه، ومجسدا له تجسيدا واقعيا في العصمة والطهارة.. مكملًا رسالة محمد النبي مقاتلًا على التأويل كما قاتل محمد على التنزيل!.
وأيضا يستمر على ما بدأه النبي الخاتم من هداية المجتمع ونشر الايمان والفضيلة وقد تم ذلك في اليوم الموعود وهو يوم الغدير، وعلى النقيض شاء الشيطان أن يغري تلك الثلة لتطغى وتحول بين ذلك ولتنشر الكفر والرذيلة في أوساط المجتمع حينئذ وقد تم ذلك في اليوم المشؤوم يوم السقيفة!.
ليبعدوا عليًا عن خلافة الرسول ظاهرًا! ولكن بقيَ عليٌ منارًا ومشعلاً يحتذي بهِ كلُّ مسلمٍ في البقاع..
وسيبقى الدهر وهو ألسنة ثناءٍ عليك يا أبا الحسن، ستبقى لأن الله أرادَ بقائك، ستبقى لأنكَ اخترت أن تكون مع الله، ستبقى لأن كل من كان مع الله باق ! وستبقى رغماً عن كل من أراد إطفائك ولم يدري أن اللهَ متمُ نورهِ ولو كرهوا ذلك!.
وللأسف كان كما قال العقاد في علي عليه السلام: "ما اتسعتْ مساحة للأخذِ والرد كما اتسعت مساحةُ علي بن ابي طالب فمنهم من يرى أنه إله ويعبده ومنهم من يرى أنه كافر مطرودٌ من رحمة الله..!" والعياذ.
وصدق الشاعر حين قال:
غالى يسارٌ واستخفَ يمينُ
بكَ يالكنهكَ لا يكادُ يبينُ
تجفى وتعبدُ والضغائنُ تغتلي
والدهرُ يقسو تارةً ويلينُ
وتضلُ أنتَ كما عهدتك نغمةً
للآنَ لم يرقَ لها تلحينُ..
اضافةتعليق
التعليقات