من بين أوائل الأفكار المهيمنة في عصرنا توجد الفكرة التالية: إن النتيجة المؤكدة للتعليم تكمن في تحسين أوضاع البشر واصلاحهم بل وجعلهم متساوين، وبسبب من تكرار هذه الفكرة دون كلل أو ملل فإنها قد أصبحت إحدى العقائد الأكثر رسوخاً للديمقراطية.
ولكننا نجد أن الأفكار الديمقراطية تقع في تناقض عميق مع معطيات علم النفس والتجربة فيما يخص هذه النقطة ونقاط أخرى عديدة، فالفلاسفة العديدون وخصوصاً (هيربرت سبنسر) كانوا يستطيعون البرهنة بسهولة على أن التعليم لا يجعل الإنسان لا أكثر أخلاقية ولا أكثر سعادة، وإنه لا يغير غرائزه وأهواءه الوراثية.
وإذا ما طبق بشكل سيء فإنه يصبح ضاراً أكثر مما هو نافع، وقد أكد علماء الإحصاء على هذه الآراء عندما قالوا لنا بأن الجريمة تتزايد مع تعميم ظاهرة التعليم، او على الأقل تعميم نوع معين من أنواع التعليم.
بالطبع لا أحد يقول بأن التعليم الجيد لا يؤدي إلى نتائج مفيدة جداً، وإذا كان لا يرفع مستوى الأخلاقي لدى الشخص، فإنه على الأقل يتيح له تطوير قدراته المهنية، فالخطر الأول هو الارتكاز على خطأ نفسي أساسي مفاده ان استذكار الكتب المدرسية يطور الذكاء او يجعله يتفتح، وبناءا على ذلك يجتهد الطلاب في تعلم أكبر قدر من المواد والمعلومات واختزانها، وهكذا نجد ان الطالب الشاب ما ينفك منذ السنة الابتدائية وحتى الدكتوراه يبتلع مضمون الكتب بدون أن يشغل عقله فالتعليم بالنسبة له يتمثل في الحفظ والطاعة.
والدولة التي تخرج بواسطة هذه الكتب المدرسية البائسة كل هؤلاء الطلاب لا تستطيع أن توظف منهم إلاّ عدداً صغيراً، وتترك الآخرين أعداءا لها، ومن على الهرم الاجتماعي إلى اسفله نجد أن الكمية الضخمة من الخريجين تحاصر كل المهن والوظائف اليوم. وبما ان اعداد كبيرة منهم يحتقرون العمل في الحقول او المصانع وبمستوى اقل من الشهادة، فإنهم يتوجهون بطلباتهم إلى الدولة لكي يعيشوا، وبما أن عدد المقبولين محدود، فإن عدد الناقمين كبير بالضرورة، وهؤلاء الأخرون مستعدون لخوض كل الثورات أياً كانت أهدافها أو قادتها، فاكتساب المعارف التي لا يمكن استخدامها هو الوسيلة المؤكدة لتحويل الإنسان الى متمرد!.
إن الأفكار لا تشكل إلاَ في وسطها الطبيعي والعادي، والشيء الذي ينبت براعمها هوالانطباعات الحسية العديدة جداً والتي يتلقاها الصبي كل يوم في المشغل أو في المنجم أو في المحكمة أو في المدرسة أو في الورشة أو في المستشفى أو في مجموعة الآلات.
اضافةتعليق
التعليقات