كانت حياتها محاطة دائمًا بنظرتها السوداء للأحداث والأشخاص من حولها. لم ترَ سوى ما تفتقده، سواء كان ذلك بيتًا خاصًا بها، أو ولدًا ذكرًا، أو حتى تقديرًا في عملها. كانت تلك الأفكار السلبية تعمُّ مخيلتها وتحجب عنها رؤية النعم التي تمتلكها. كانت تستغرق ساعات في التأمل في ما لم تحققه، بدلاً من الاستمتاع بما لديها.
تقضي أيامها في العمل، وتعود إلى بيتها حيث كانت بناتها ينتظرنها بفرح، وزوجها الذي كان يسعى دائمًا لتوفير حياة كريمة لهم. لكنها كانت تتذمر دائمًا، وتشعر بأن العالم كله ضدها. كانت ترى في كل حدث غير مرغوب فيه تأكيدًا على حظها العاثر.
رغم ذلك، كانت هناك لحظات من السعادة الحقيقية التي تشعر من خلالها بالدفء والأمان عندما تحتضن بناتها، وتضحك مع زوجها على مواقف الحياة اليومية. لكنها لم تكن تقدر تلك اللحظات، وكانت تفضل التذمر والنظر إلى ما تفتقده.
في وظيفتها، كانت تشعر دائمًا بعدم التقدير. كانت تعتقد أنها تستحق مكانة أكبر وتظن أن الحياة ليست عادلة معها. كانت هذه المشاعر تسيطر على حياتها، مما جعلها غير قادرة على رؤية الجوانب الإيجابية في حياتها. كانت تستغرق ساعات في التأمل فيما لم تحققه، بدلاً من الاستمتاع بما لديها. تفكر بالمعوقات بدلاً من العمل على ذوبانها لنيل ما تستحق.
وفي يوم من الأيام، بينما كانت عائدة من وظيفتها إلى بيتها، حيث كان ينتظرها بناتها وزوجها، استغربت من تجمهر الناس أمام بيتها. دقات قلبها كانت تسبق خطواتها للوصول، وعندما وصلت كانت الصاعقة بانتظارها. بيتها قد صار رمادًا، وأخرجت منه خمس جثث، لبناتها وزوجها.
وقفت منهارة، تصرخ بأعلى صوتها، ولا تعرف ماذا تفعل. تمنت أن تكون في كابوس، فثقل اللحظات كان لا يحتمل. أدركت أنها كانت في قمة سعادتها، والآن قد سلبت منها متعة الحياة. كان الندم أكبر من استيعاب المصيبة، شعرت أنها لم تعطِ استحقاقًا لسعادتها، ولم تشعر بجمال نعمها، ولم تستمتع مع عائلتها. كانت محظوظة بعائلتها الجميلة التي لن تراها بعد اليوم، لكنها اكتشفت ذلك بعد فوات الأوان.
من خلال هذه القصة، نتعلم درسًا عميقًا عن قيمة الامتنان والتقدير لما نملكه. الحياة مليئة بالتحديات، ولكنها أيضًا مليئة بالنعم التي يجب أن نحتفي بها. عندما نركز على ما نفتقده، نفقد القدرة على رؤية ما نملكه. يجب علينا أن نتذكر دائمًا أن ننظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس، وأن نقدر اللحظات الجميلة التي نعيشها مع أحبائنا.
فالندم على ما فات لن يعيد لنا ما فقدناه، ولكن الامتنان يمكن أن يغير نظرتنا للحياة ويجعلنا نعيش بسعادة ورضا. قد تكون اللحظات الصعبة تذكيرًا لنا بأهمية التقدير والامتنان، وأن ننتهز كل فرصة لنعيش حياتنا بفرح وسعادة مع من نحب. قال تعالى في كتابه الحكيم: "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" [النحل: 18].
الحياة تحمل في طياتها مجموعة متنوعة من التجارب والمواقف، فليس من المفترض أن ننظر إلى الجانب الأسود فقط، بل ينبغي لنا أن نمدح النعم التي نتمتع بها، كبيرة كانت أو صغيرة. الندم على ما فات لن يعيد لنا ما فقدناه، لذا علينا أن نعيش كل لحظة بوعي وامتنان.
قد تكون اللحظات الصعبة تذكيرًا لنا بأهمية التقدير والامتنان، وأن نستغل كل فرصة لنعبر عن حبنا وتقديرنا لأحبائنا. إن السعادة ليست في الأشياء الكبيرة وحدها، بل في قدرتنا على رؤية الجمال في الأشياء الصغيرة، وفي اللحظات البسيطة التي نقضيها مع أولئك الذين نحبهم.
لذا، دعونا نستمتع بكل لحظة ونحتفظ بها في ذاكرتنا كنعمة نعيشها، ولنكن دائمًا ممتنين لما نملكه، سواء كانت صحة جيدة، عائلة محبة، أو لحظات فرح بسيطة. إن التقدير للنعم الموجودة في حياتنا يمنحنا القدرة على مواجهة التحديات بروح إيجابية وقلب ممتلئ بالسعادة والرضا. فلنعش بامتنان، ولنحتفظ بالذكريات الجميلة كنعمة نغفل عنها في أوقاتنا الصعبة، فقد تكون هذه الذكريات الضوء الذي ينير دربنا في أظلم الأوقات.
في النهاية، الحياة هي مجموعة من اللحظات، الجيدة والسيئة، ولكن كيف نعيشها وكيف نراها هو ما يصنع الفارق. فلنحرص على أن نكون ممتنين لكل نعمة، كبيرة كانت أو صغيرة، ولنستمتع بكل لحظة مع من نحب قبل أن يفوت الأوان.
اضافةتعليق
التعليقات