لطالما كان المجتمع مفتوناً بتلك الظاهرة التي تبدو على السطح أمرًا جيدًا ولكن في العقل أمر غير منطقي، خصوصًا في الزمن الحاضر. السؤال : لماذا تكثر العائلات الفقيرة من الإنجاب رغم أن مواردها بالكاد تكفي لإطعام الموجودين؟ نرى السؤال بسيطاً، لكنهُ يحمل في طياته دروساً عن كيف يفكر العقل.
لنبدأ من الواقع: تنجب العائلة الفقيرة سبعة أطفال أو أكثر، بينما العائلة الغنية بالكاد تُرزَق بطفلين وتكتفي بذلك، الفقراء ببساطة ليس لديهم ضمانات. لا تأمين صحي، لا معاش تقاعدي، ولا حتى مؤسسات تدعمهم، عندما تشتد عليهم ظروف الحياة. أقول عندما لا تمتلك شبكة أمان اجتماعية فلماذا الانجاب؟.
قرأت في أحد المواقع الفكرية عن فكرة الانجاب لأحد الدكاترة النفسيين وهو يصف حال العوائل الفقيرة وطريقة تفكيرهم على أنهُ أشبه برمي شبكة صيد في بحر الحياة؛ فكثرة المحاولات تزيد من احتمال ظهور (سمكة) واحدة ناجحة تنقذ العائلة بأكملها.
نفسياً هي (آلية دفاعية تعويضية) يقول أن كثرة الأبناء تمنح الفقراء شعوراً بالخلود النفسي. يجد في إنجاب الأبناء إنجازاً يعوض شعوره بالعجز. الأبناء في نظر الفقراء ليسوا فقط أفواهاً جائعة بل هم مشاريع أمل، استثمارات طويلة الأجل ، إنجاب طفل جديد قد يعني بالنسبة لهم يداً إضافية تعمل، أو فرصة لأن يكون هذا الطفل باراً بهم في الكبر أو على الأقل شخصاً يحفظ كرامتهم في مواجهة مجتمع قاسٍ .
وفي مجتمعات يكون فيها مفهوم الرجولة مرتبطاً بالقوة العددية للعائلة يصبح الإنجاب الكثيف أمراً ضرورياً لتعزيز مكانة الإنسان داخل المجتمع. الأبناء خاصة الذكور هم رمز القوة الاجتماعية والاعتبار وغيابهم قد يعرّض الأسرة للوصم أو الإقصاء!
أي ما يعني الاقتصاد الفقير كتب Poor Economics يوضح هذه الفكرة. فيقول الدكتور أن كثرة الإنجاب ليست عبثاً هو قرار منطقي للغاية في سياق حياة بلا يقين. عندما يكون لديك عشرة أطفال، فإن احتمال نجاح أحدهم في الخروج من دائرة الفقر أعلى بكثير من إنجاب طفل أو اثنين. قد يكون أحدهم طبيباً آخر مهندساً وربما أحدهم يتولى مسؤولية إعالة الأسرة كاملةً!
لكن هناك مفارقة، تخيل عائلة فقيرة في غرفة ضيقة، الأطفال يملؤون المكان كأنهم خلية نحل، والوالدان رغم تعبهما يواصلان الإنجاب، لأنهما يؤمنان أن الطفل الحادي عشر قد يحمل الحل!!
المفارقة تكمن في أن كل طفل جديد يأتي ليعقد الموقف أكثر، لكنه أيضاً يزيد من جرعة الأمل.
هنا يتضح لنا أن قضية كثرة الإنجاب تُعَد من القضايا الشائكة التي تشغل بال المجتمعات، خاصة في ظل التغيرات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم. تتعدد الآراء حول هذه القضية، وتختلف الآثار المترتبة عليها باختلاف الظروف والثقافات، وهنا نستعرض بعض التحديات والآثار التي تترتب عليها.
إن بعض المجتمعات، ينظرون إلى الإنجاب على أنه بركة ونعمة، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية الثقافية والدينية، أما العوامل الاقتصادية: في بعض المناطق الريفية، يُعتبر الأطفال قوة عاملة مساعدة في الزراعة والأعمال المنزلية، تؤدي كثرة الإنجاب إلى العديد من التحديات، منها:
التحديات الاقتصادية: حيث تؤثر كثرة الأبناء سلبًا على المستوى المعيشي للأسر، إذ تزيد من النفقات على التعليم والصحة والغذاء والملبس.
التحديات الصحية: تؤثر كثرة الإنجاب على صحة الأم والطفل، حيث تزيد من خطر الإصابة بفقر الدم، وسوء التغذية، ومضاعفات الحمل والولادة.
التحديات الاجتماعية: تؤدي كثرة الأبناء إلى زيادة الضغط على الموارد المتاحة، وتؤثر سلبًا على جودة الحياة، وقد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة والعنف.
التحديات البيئية: تساهم كثرة السكان في استنزاف الموارد الطبيعية، وزيادة التلوث، والتسبب في تغير المناخ.
أما الآثار فتترك كثرة الإنجاب آثارًا عميقة على الفرد والمجتمع، من أهمها:
تأثير على نمو الطفل: قد يؤدي الإنجاب المتكرر إلى الحرمان من الرعاية الكافية للأطفال، مما يؤثر سلبًا على نموهم البدني والعقلي.
تأثير على المجتمع: تؤدي كثرة السكان إلى زيادة الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة، مما يؤثر على جودة الحياة للمجتمع ككل.
حلول لمشكلة كثرة الإنجاب
لمواجهة مشكلة كثرة الإنجاب، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات، منها:
التوعية: نشر التوعية بأهمية تنظيم الأسرة، وفوائدها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
تمكين المرأة: تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا، وإعطائها الفرصة للمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بحياتها.
توفير التعليم: توفير التعليم الجيد للأطفال، وتعزيز دور المدرسة في توعية الطلاب بأهمية تنظيم الأسرة.
إن قضية كثرة الإنجاب هي قضية معقدة تتطلب حلولاً شاملة ومتكاملة. يجب على الحكومات والمجتمعات العمل معًا لتوفير بيئة صحية واجتماعية واقتصادية تساعد الأفراد على اتخاذ قرارات مسؤولة بشأن حجم أسرهم.
اضافةتعليق
التعليقات