هل جربت الحزن سابقاً؟ كيف يكون؟ أين يظهر في جسدك؟ إنه متعب صحيح؟ تشعر بالاختناق وبالألم في أنحاء بطنك وصدرك ورأسك؟ يضعف بدنك؟ تأبى تناول الطعام أو تسرف بتناوله؟ يجافيك النوم؟
إنها بعض أعراض الحزن، ويمكنك أن تضيف لها ما شئت من أعراضك التي تختص بها أنت وحدك، فالأحزان ليست واحدة.
لكنك عندما تخرج من مجلس عزاء يذكر فيه اسم الله حيث تجلس مستمعاً للخطب المهذِبة للروح والخلق، ومصححة لأفكار العقل، ومذكِرة بالطاعات، وحسن الفعال، وشارحة أبعاد وخصائص وتجليات رحلة الأمجاد الأبدية لحسين الحق تخرج خفيفاً هانئاً راضياً بشعور لا يمكن وصفه ببساطة ولكنه يسير ونقي وجليل وبهي، كأنك ولدت تواً، كأنك على وشك أن تطير من الخفة.
مجلس العزاء يصطبغ بالحزن العميق وباللون الأسود، ولكنه حزن قيمي، حزن متعلق بالمعنى، حزن يضبط الموازين، حزن يقودك إلى جادة الصواب، قضية الحسين ليست قضية فناء الأبدان، بل رمز للحق أمام ظلم الطغاة الجبارين، وهي صرخة توقظ الضمائر على مر العصور لذا نراها تتجدد في كل وقت وحين، وتستمد منها الأقوام قوتها، ولذا يذكر الناس أهل غزة في المجالس ويدعون لهلاك أعدائهم.
تسمع حديثاً أو سيرة لأحد الصحب أو تمر عليك الواقعة الأليمة في الطف فتبكي، لكن البكاء هذا يشبه التنفس، يغسل العين ويجلو البصر، ويبنى الجسد والروح، والحزن هذا يكسر القيود الثقيلة، يصحح، يرمم، يمنحك مساحة لتكون أنت، الكل هنا حزين ولن توصم بأي وصمة عار لحزنك، لن ينتقص منك أحد، مُرحب بك بكل ما جررته من آلام وخطايا، اتركها هنا وغادر يا رعاك الله.
ولأن المجالس عظيمة علينا أن ننظر لمن نمنح المنبر؟ هل هو العارف بحق الحسين (عليه السلام)؟ فهذا منبر الهدى والنور، هذا صوت الدين، ومرآة الخاشعين الثائرين الصادقين، وتأريخ من البسالة والشرف لا مال ولا انحرف.
ولنتذكر أن المنبر أمانة، ولكل قائل كلمة وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة عامداً أم مقصراً أم جاهلاً، وكل من أعان ومكن أن يصل المتحدث إلى مكانه المؤثر ذلك ويتحدث باسم سيد الشهداء ريحانة منقذ الأمة (صلوات الله عليهم أجمعين).
اضافةتعليق
التعليقات