مرت أكثر من ثلاث ساعات متتالية ولم أشعر بأن بندول الساعة تحرك من مكانه، فكل ما حولي يميل إلى السكون، أحيانا اشعر بأني جنازة متحركة، ثم اتراجع عن هذا اللقب بعدما أتذكر أن أجهزة الجسم عندي تعمل جيدا. واغير رأيي بالمتحركة واجد المؤقتة أقرب إلى حالتي، فالصحة الجيدة لا علاقة لها بالموت، فكم من شخص تمتع بصحة جيدة ثم فجأة وبلا سابق انذار توقفت دقات قلبه!
حسنا وبعد أن اقتنعت بهذا اللقب شخصيا كجنازة مؤقتة ماذا افعل في هذه الحياة؟،
استيقظ من النوم حاملة على ظهري هموم الحياة، أفكر بمستقبلي المجهول وأتأسى على ما فاتني من لحظات سعيدة... ثم ماذا؟
أمارس حياتي الروتينية مثلي مثل ملايين البشر في هذا العالم، ثم أخلد الى النوم وينتهي كل شيء.
حقا انا جنازة مؤقتة...
حسنا، الانسان عندما يعرف بأنه جنازة مؤقتة وان موته سيحين في أي لحظة كيف يتعامل مع الحياة؟
سيعيش يومه وكأنه اخر يوم في حياته، سيعيش لحظاته مع أحب الناس اليه (عائلته)، العائلة التي لا يراها في الايام العادية ويفضل الانعزال في غرفته بدلا من مشاركة أطراف الحديث معهم.
حينها سيصغي الى كلامهم وكأنه حديث مقدس، وسينظر الى وجوههم وكأنهم تحفة فنية يستحيل اقتناءها.
واما بالنسبة للعبادات، سيصلي وكأنه يقف بين يدي الله يستشعر العظمة الحقيقية، وسيدعو الله كغريق يتوسل بالله في اخر نفس له فوق الماء.
وسيكون ممتناً لكل الأشياء التي امتلكها في حياته، ويعتز حتى بالذكريات السيئة والمواقف الصعبة التي عاشها طيلة عمره.
لكن ماذا عن الانسان الذي يعرف بأن لديه رحلة ولكن لا يعرف التوقيت، ألن يجهز حقيبة سفره ويكون مستعدا على الدوام؟
فما فرقنا عن صاحب الرحلة؟، نحن أيضا نعرف بأن كل شخص فينا سيموت ولكن دون ان يعرف موعد وفاته، فلماذا لم نتجهز جيدا ولم نعد حقيبتنا؟
كل البشر جنائز مؤقتة ينتظرون موعد وفاتهم، ولكن بلا عمل ولا تحضير مسبق وفجأة عند الرحيل يجدون أنفسهم بلا مؤونة للطريق ولا حقيبة للسفر.
الغفلة
تعتبر الغفلة هي السبب الأساسي في ان يهمش الناس فكرة الاخرة ويلتهون في الحياة الدنيا وتأخذهم فكرة المال والبنون ويغرقون في مشاكل الحياة وهمومها وينسون الالتفات الى الحياة الأبدية التي تنتظرهم، ويكون كل تركيزهم على هذه الايام المعدودة التي مهما طالت فلن تكون نهايتها الا الفناء.
وما يحتاجون اليه التذكير المستمر في الحياة الاخرة، وتوعية الناس وإخراج حب الدنيا من قلوبهم وهنا يلعب المنبر دورا أساسيا في نقل الموعظة من خلال روايات اهل البيت عن ذم حب الدنيا والتمسك بما هو باق.
والحث على زيارة المقابر والمستشفيات التي ورد أهميتها في الروايات الشريفة لما لها تأثير كبير على القلب وتبين للإنسان كم ان الدنيا رخيصة وفانية ولا تستحق منا ان نلهث وراء مغرياتها.
كما ان هنالك دور كبير للكتاب والمحاضرين والأساتذة في الجامعات والمدارس والاوساط العامة لبيان حقيقة الحياة والالتفات الى الحياة الأبدية والتزود بما ينفع الانسان في يوم القيامة.
لأن لو تحقق ذاك فسيلحق المجتمع اثارا إيجابية كبيرة، لان افراده سيعملون وفق الشريعة ولن يتجاوزا الأمور المحرمة وسيلتزمون بالقوانين الإلهية التي تضمن للإنسان حياة مثالية.
يقول امير المؤمنين (عليه السلام): "اشغلوا أنفسكم من أمر الآخرة بما لابد لكم منه"
أي ان نذكر بأننا راحلون من هذه الدنيا ونفعل الامور التي تنفعنا في الاخرة.
فالهدف من هذا التذكير هو مساعدتنا في القيام بالأعمال الخيرة والابتعاد عن المعاصي والشرور لأننا قبل كل عمل سنفكر بعواقب الآخرة وسنحاول الالتزام بحدود الله ونتعامل مع الناس فيما يرضي الله عز وجل.
ولعل السؤال الذي يراود الكثير ما هو انفع عمل يتزود به الانسان ليعود عليه في يوم القيامة بالنفع الكبير؟
الله سبحانه وتعالى وضح بصريح العبارة اهم زاد ينفع الانسان في حياته واخرته الا وهي التقوى في قوله عز وجل: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"[1]
والتقوى هي أسمى مراتب العبادة ومعناه وقاية النفس من عصيان أوامر الله ونواهيه
واساس التقوى هي خشية الله ومخافته من ارتكاب أي ذنب.
والالتزام بالشريعة التي رسمت لنا طريقا واضحا وسهلا للحياة.
واما الوصول الى هذه المرحلة (التقوى) تحتاج الكثير من العمل في مجاهدة النفس والسيطرة على الأهواء فيما تقدمه الدنيا وأهلها من المغريات والتجاوز والصفح عن أخطاء الاخرين، والالتزام بالأمور الأخلاقية التي تصنع من الانسان نموذجا رائعا للمؤمن المتقي الجاهز على الدوام للرحيل بمتاع غني لرحلة ابدية سعيدة ينال بها شرف الدينا والاخرة.
ولعل شهر رمضان من الشهور التي تمثل الأرضية المناسبة لصناعة الانسان المؤمن المتقي وتساعد كثيرا في البناء الشخصي فيستطيع الانسان على اثر ذلك ان يجتنب المعاصي اكثر ويركز على الجوانب العبادية والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فيكون هذا الشهر الفضيل بمثابة نقطة تحول كبيرة في حياته.
اضافةتعليق
التعليقات