يتيح العمل الخيري، مثله في ذلك مثل مفهومي التطوع والإحسان، فرصة لتعزيز الأواصر الاجتماعية والإسهام في خلق مجتمعات أكثر شمولا ومرونة. فللعمل الخيري القدرة على رفع آثار الأضرار المترتبة على الأزمات الإنسانية، كما أنه له القدرة على دعم الخدمات العامة في مجالات الرعاية الطبية والتعليم والإسكان وحماية الأطفال. والعمل الخيري فاعل جدا في تحسين الثقافة والعلوم والرياضة وحماية الموروثات الثقافية، فضلا عن تعزيزه لحقوق المهمشين والمحرومين ونشر الرسالة الإنسانية في حالات الصراع.
وتم اقرار اليوم الدولي للعمل الخيري بهدف توعية وتحفيز الناس والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة المشتركة في جميع أنحاء العالم لمساعدة الآخرين من خلال التطوع والأنشطة الخيرية.
والمراد بالعمل الخيري هو النفع المادي أو المعنوي الذي يقدمه الإنسان لغيره، من دون أن يأخذ عليه مقابلا ماديا، ولكن ليحقق هدفا خاصا له أكبر من المقابل المادي، قد يكون عند بعض الناس الحصول على الثناء والشهرة، أو نحو ذلك من أغراض الدنيا".
ومن خلال هذين التعريفين يتبين أن العمل الخيري هو عمل تبرعي يقدمه الإنسان لغيره، خدمة للمحتاجين إليه بغض النظر عن دينهم أو أفكارهم، من غير طلب عوض، ومن غير مخالفة للشرع.
فالمسلم يقوم بالعمل الخيري لأهداف تتعلق بالآخرة، ابتغاء الثواب من الله، والدخول في جنات النعيم، فضلا عما يناله في الحياة الدنيا من بركة، وسكينة، وسعادة روحية تغمره هو وأهله.
أنواع العمل الخيري في الإسلام:
الإخلاص في العمل
العمل الخيري عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، ولا يقبل الخير عند الله ما لم يكون خالصا طيبا لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا"، فالنية والخلوص من أهم خصائص العمل الخيري في الميزان الأخلاقي للإسلام، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات. وإنما لكل امرئ ما نوى". فمن أراد أن يعمل خيراً ما فعليه أن ينوي به التقرب إلى الله تعالى عند الشروع فيه.
الشمولية في الخير والرحمة
أما شمولية الخير فتتجلى في كون أن المسلم يقدم الخير لكل من هو في حاجة إليه، سواء كان قريبا أم بعيدا، صديقا أم عدوا، مسلما أم كافرا، إنسانا أم حيوانا؛ وذلك لعموم قوله تعالى:﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.
أما شمولية الرحمة فيجسدها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا، قالوا بلى يا رسول الله كلنا رحيم. قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكن رحمة العامة"، والمراد بهذا أن الرحمة في الإسلام اتسعت لتشمل جميع الخلائق دون تفريق أو خصوصية.
التنوع في أصناف الخير
من تجليات اهتمام الإسلام بالعمل الخيري، الترغيب في شتى أنواعه وصوره بأساليب متعددة؛ وذلك قصد تلبية حاجيات المعوزين والفقراء والمساكين، ومنح فرصة لكل من لديه الرغبة والقدرة في فعل الخير.
ومن صور تنوع العمل الخيري في الإسلام: مواساة الفقير والمسكين، وإدخال السرور عليهم، ومسح رأس اليتيم، وزرع الثقة والتوكل في نفوس الآخرين، وقضاء الحوائج للناس، والترغيب في العمل الخيري والتنوع فيه يؤكده قوله صلى الله عليه واله وسلم في قوله: "على كل مسلم صدقة، قالوا يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف وليسمك عن الشر فإنها له صدقة".
ويمثل العمل الخيري قيمة إنسانية كبرى تتمثل في العطاء والبذل بكل أشكاله، فهو سلوك حضاري حي لا يمكنه النمو سوى في المجتمعات التي تنعم بمستويات متقدمة من الثقافة والوعي والمسؤولية، فهو يلعب دورا مهما وإيجابيا في تطوير المجتمعات وتنميتها فمن خلال المؤسسات التطوعية الخيرية يتاح لكافة الأفراد الفرصة للمساهمة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي اللازمة كما يساعد العمل الخيري على تنمية الإحساس بالمسؤولية لدى المشاركين ويشعرهم بقدرتهم على العطاء وتقديم الخبرة والنصيحة في المجال الذي يتميزون فيه.
ولقد قامت الخدمات التطوعية الخيرية بلعب دور كبير في نهضة الكثير من الحضارات والمجتمعات ونشر الأفكار عبر العصور بصفتها عملا خاليا من الربح العائد وليست مهنة، بل هي عمل يقوم به الأفراد لصالح المجتمع ككل تأخذ أشكالا متعددة بدءا من الأعراف التقليدية للمساعدة الذاتية إلى التجاوب الاجتماعي في أوقات الشدة ومجهودات الإغاثة إلى حل النزاعات وتخفيف آثار الفقر ويشتمل المفهوم على المجهودات التطوعية المحلية والقومية وأيضا تلك التي توجه إلى خارج الحدود.
ويتيح العمل الخيري، فرصة لتعزيز الأواصر الاجتماعية والإسهام في خلق مجتمعات أكثر شمولا ومرونة. فللعمل الخيري القدرة على رفع آثار الأضرار المترتبة على الأزمات الإنسانية، كما أنه له القدرة على دعم الخدمات العامة في مجالات الرعاية الطبية والتعليم والإسكان وحماية الأطفال. والعمل الخيري فاعل جدا في تحسين الثقافة والعلوم والرياضة وحماية الموروثات الثقافية، فضلا عن تعزيزه لحقوق المهمشين والمحرومين ونشر الرسالة الإنسانية في حالات الصراع.
دور العمل الخيـري في تنمية المجتمع:
توجد علاقة قوية بين العمل الخيري وتنمية المجتمع ونجاحه، حيث تبين معظم الوقائع التاريخية إلى أن التنمية ناتجة عن مجهودات الإنسان حيث أنه العنصر الأساسي للتنمية، لذلك فإن الهدف الأهم للتنمية هو الارتقاء بحياة الإنسان في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية، ومن الأساسيات الهامة أن التنمية تقوم على أساس الجهد البشري الذي يستلزم وجود الإنسان القادر على المشاركة، بالإضافة إلى خطط محددة وواضحة.
الإستفادة من الموارد البشرية:
حيث يمثِّل العمل الخيري دورا إيجابيا هاما في إتاحة الفرصة لجميع أفراد المجتمع للمشاركة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي اللازمة في كل زمان ومكان، ويساعد العمل الخيري على تنمية الشعور الداخلي بالمسؤولية تجاه ذوي الحاجة، ويشعرهم بقدرتهم على العطاء وتقديم ما لديهم من خبرات ونصائح في المجال الذي يختصوا بها.
الإستخدام الأمثل للموارد المتاحة:
حيث يساهم العمل الخيري في تخفيض تكاليف الإنتاج، ويساعد على تحقيق زيادة الإنتاج، ومع تزايد الطَّلب على السلع والخدمات من قبَل أفراد المجتمع، وصعوبة الحصول عليها في بعض الأوقات، فإنه يصبح من الضروري الاعتماد على جهود المتطوعين؛ لتوفير بعض من هذه الاحتياجات.
تنمية الأسرة :
الأسرة هي عماد المجتمع وبترابطها وصلاحها يصلح المجتمع فالعناية بالأسرة من أهم الأساسيات في القيام بالعمل الخيري، فالعمل لمساعدة الأسرة الفقيرة يكون من خلال تأهيلها وتنميتها ومد يد العون لها بعناصر الإنتاج المحلية المتوفرة والمتاحة في محيط الأسرة وبيئتها وتطوير تلك العناصر وتحويلها إلى آلة إنتاج من خلال توفير الوسائل وأدوات الإنتاج القادرة على تحويل تلك الأسرة الفقيرة من أسرة محتاجة إلى أسرة منتجة قادرة على الإنتاج وإفادة المجتمع.
كما من الممكن أن يساهموا في اقتصاد الدولة والمجتمع بشراء وبيع واستخدام بعض السلع والخدمات. ولابد من التأكيد على أن الأسرة تحتاج إلى التوجيه والإرشاد، بحيث تستطيع الأسرة التكيف وتطوير إمكانيتها وقدراتها في إدارة شؤونها الأسرية الخاصة كالعناية بالأفراد خاصة الأطفال من الناحية التربوية والتعليمية والصحية، وإدارة آلة الإنتاج التي تم توفيرها للأسرة وكيفية التصرف بالعائد وإنفاقه بالطريقة الصحيحة. والتشجيع على عمل مجموعة من البرامج والدورات التأهيلية والتدريبية الاجتماعية.
الإستفادة من الموارد البشرية :
من هنا يأتي دور العمل الخيري في التنمية بالاستفادة من الموارد البشرية، حيث يلعب العمل الخيري دوراً إيجابياً في إتاحة الفرصة لكافة أفراد المجتمع للمساهمة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي اللازمة في كل زمان ومكان ويساعد العمل الخيري على تنمية الإحساس بالمسؤولية لدى المشاركين ويشعرهم بقدرتهم على العطاء وتقديم الخبرة والنصيحة في المجال الذي يتميزون فيه.
وفي النهاية إن الإنسان مخلوق مكرم ومكانته محترمة، والإسلام يهدف إلى مجتمع متراحم ومتعاون، ونشر المحبة والتسامح والعطف على المحتاجين، ويزداد العمل الخيري أهمية في حماية المجتمع من انتقام المحرومين والمحتاجين وتربية الأفراد على البذل والعطاء ومشاركة الآخرين وتنمية العلاقات الأخوية التي تقوّي المجتمعات. وقد كان للأديان السماوية والمعتقدات الاجتماعية دور كبير في تنمية هذا الجانب أو إهماله.
وقد ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ما يؤكد على وجوب الزكاة للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. فالأعمال الخيرية هي سد الحاجة للمحتاجين وكفاية المؤونة وتخفيف الآلام وحفظ الكرامة وحماية المجتمع من شتى الانحرافات والجرائم والآفات.
من خلال ما سبق يتضح أن العمل الخيري في الإسلام عبادة يتقرب بها العباد إلى الله تعالى، ومن أجل القيام بشأنه، والرفع من متطلباته خصصت له الشريعة الإسلامية مجموعة من المميزات والخصائص من جملتها: الإخلاص في العمل، والشمولية في الخير والرحمة، والتنوع في أصناف الخير.
اضافةتعليق
التعليقات