هل يعقل أن يحبك يوما من لا يعرف عنكَ شيئاً؟
سؤال طرحه عقلي محتجاً باجابته على شغاف قلبي تلك اللحظة، فاجاب ذلك القلب بسرعة ومنطقية غير معتادة منه: هو الأمل الجميل الذي يمنح العاشق فسحة يمارس فيها روحانية العشق الطاهر بعيدا عن رغبات النفس ويملأ حياته بمشاعر سامية، قالها قلبي ثم اتجه نحو السماء يبصر نورها الذي يشابه نور الموعود المنتظر، ذلك الشخص الذي حطم قواعد الوجود واكتسح ابواب القلوب دونما سبب في الوقت الذي داهمت شياطين البشر بيض ايامنا بانتصاراتها المصبوغة بدماء الأبرياء مطلقين العنان لجنون أنفسهم وأعطوها حق انتهاك الكرامات لتورث الأجيال المتعاقبة قصص الخوف وتجعل الظلم الموحش هو الذي يسود المجتمع فتهـجره العدالة.
ولكن ذاك بصيص الامل الذي تسلل الى قلوبنا جعل النفوس تترقب فيض شعاع يبحث عن أمل لعدالة قد تكون غائبة لفترة ما ، وعيوننا ما تزال معلّقة بالسماء، نترقب حدثا هاماً ، وها قد قارب شهر شعبان على الانتصاف، وفيه تحفل الليالي والأيام بالعبادة وبالذكر والصلاة والقيام، ايام نستعيد فيها الاستبشار وقد امتد بنا الشوق إلى حصول الفرج الذي بات وشيكاً بالظهور متحدياً لكل أشكال الظلم المعلنة، فقد فزعت القلوب من الاتّهامات، وضجت النفوس من ألوان القمع والتنكيل ، وكما نضع رؤوسنا في حجر امهاتنا متأكدين من ان لمسة يديها ستشفي جراح الجسد هكذا نحن على يقين انه سيظهر ويشفي جروح ارواحنا الملتهبة، فهو نور يُهتدى به و سفينة النجاة وعين الحياة.
هو الموعود بالنصر وظهور الأمر و الموسوم بالفرج، هو الحجة المهدي عجل الله له فرجه وهو المالئ لها عدلاً وقسطاً بعد أن امتلأت جوراً وظلما، سيأتي قارئاً للقرآن ناطقاً بالإيمان والشهادة، سيأتي ساجداً داعياً لله، خاضعاً حامداً له، شاكراً، وها نحن نعيش ذكرى موُلد الإمام الذي حصل في جو من الكتمان والخفاء ، وفي وقت السحر من ليلة النصف من شعبان، قُبيل الفجر بلحظات وفي بيت أبيه الإمام العسكري عليه السلام الذي كان عامراً بالذكر والصلاة وتلاوة القرآن، وفي شهر له شأن ومنزلة خاصة عند الله فيه غفران ورحمة وفيه نور وكرامة كما فيه فوز بالأمان.
ولدَ حين كانت شياطين بنّي العباس يغطّون في نومهم الإثم وينسجون من أحلامهم فصولاً جديدة لأيام مضمّخة بدماء الأحرار.
نعم، وُلد الإمام واحتفلت الكائنات بولادته المباركة، وأشرقت على الدنيا شمس ولايته التي لن تغيب وعاد الأمل يرفرف من جديد ويزفّ أطياف الفرح في قلوب المحبّين، ولد الإمام بالرغم من تعدد الأقاويل في شأنه، فمنهم من قال لم يولد، ومنهم قال سيولد آخر الزمان، ومنهم من صدّق به وتيقّن وآمن وهكذا كانت درجات الإيمان هي التي وزّعت الأدوار بين الناس فغابت أطياف الحكاية إلا عند أصحاب اليقين.
اولئك الذين يرون ان المهدي ليس تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدركه الناس من خلاله على الرغم من تنوّع عقائدهم ولكنهم يوقنون ان للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض، تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي وان تعددت واختلفت، بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، وهكذا نجد أن التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارسته الإنسانية على مر الزمن، من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين أفراد الإنسان.
وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام، ويؤكد أن الأرض في نهاية المطاف ستمتلىء قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية، ويحوله إلى إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان مصدر عطاء وقوة لأن الإيمان بالمهدي إيمان برفض الظلم والجور، فهو بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمت الخطوب وتعملق الظلم وامتد في أرجاء العالم وسيطر، فها نحن نراه قريبٌ سيطل اليوم او غداً ذلك العشق الالهي الذي قيل في انتظاره :
نُراقِبُ أَخبارَ السماءِ تَشَوُّقاً
لتُنبِئَنا أنَّ المؤمَّلَ جاءا
وأنَّ صَدَى الحقِّ المُقيمِ عدالةً
يُجلجِلُ في سَمعِ الأنامِ نِداءا
وأنَّ تغاريدَ الصباحِ تهَللَّتْ
بِنُورِ الهُدَى فَابْنُ البشيرِ أضاءا.
اضافةتعليق
التعليقات