يعتقد الكثير من الناس أن أكثر شهر مرتبط بتغيير النفس وتزكيتها هو شهر رمضان لما يحوي من معنويات كبيرة بالإضافة إلى انقطاع الانسان إلى الله تعالى، ولكن مع ذلك أجد أن لشهر محرم تأثيرا كبيرا على نفس الانسان لما يحوي هذا الشهر من مفاهيم حسينية عميقة بالإضافة إلى عظمة المصاب في هذا الشهر، إذ أن الكثير من الناس مع دخول شهر محرم يبتعدون تلقائيا عن المحرمات ويستقبلون الشهر بالحزن والتعازي وإقامة المجالس والمشاركة فيها.
بالإضافة إلى لبس السواد الذي يعكس انطباع الحزن على النفس، كما أن لهذا الشهر العظيم حرمة كبيرة يجعل الإنسان يبتعد تلقائيا عن المحرمات ويلتزم بالمستحبات اكراما لمصاب الإمام الحسين (عليه السلام) وآل بيته الكرام.
وقد يكون هذا الشهر نقلة كبيرة في حياة الانسان، لان من المعروف أن الاستمرارية على فعل ما لمدة أربعين يوما يجعل من هذا الامر عادة، وكيف أن عادة الناس أن يخيم عليهم الحزن لمدة شهرين متواليين.
بالإضافة الى الأربعين الحسيني الذي يجسد في نفس الانسان اعلى مراتب التواضع والخدمة في مسير الامام الحسين وهذا ما نشاهده في مختلف أنواع الخدمة والكرم الذي يمتاز به الناس في زيارة أربعين الامام الحسين.
كل هذه الامور تعتبر بمثابة تدريب للنفس على التغيير واكتساب العادات الحسنة وترك السيئات وما يترتب على الانسان في هذه الأيام الا ان ينوي ثم يعمل على الاستمرار بكل ما كان يفعله خلال هذين الشهرين، ومادام انه استطاع ان يسيطر على نفسه وان يجتنب أمورا كثيرا حرمة لهذا الشهر الذي قتل فيه ابن بنت رسول الله بالطبع يستطيع ان يكمل مسير التغيير الى الأبد معاهدا امام زمانه على ذلك.
إذ يعيش الانسان ضمن فترة من فترات حياته نوبة من المشاكل والأوضاع الصعبة التي تخلق منه انساناً آخر يمارس من خلالها عادات سيئة، فتتأطر اخلاقه ضمن الحدود التي لا تمت للدين والإنسانية بصلة، كما ان البيئة التي يعيش فيها لها الدور الأكبر في التأثير على سلوكيات الفرد وبناء شخصيته، فتراه يتخبط يميناً ويساراً ليعود الى طبيعته الإنسانية، وتبقى الخطوة الاولى للخروج من دائرة الخطيئة والرجوع الى الفطرة السليمة هو التغيير.
وما سيحتاج اليه الانسان من أساسيات في هذا الشهر هي:
النية والدعاء والتوكل: إن عقد النية على التغيير يعتبر امرا مهما جدا، فأكبر الامور تبدأ بالنية ثم تتكلل بالعمل والانجاز، فالإنسان بداية يجب ان ينوي ثم يتوكل على الله، وما أجمل ان تكون نية ترك العادة السيئة او الذنب نية التقرب الى الله سبحانه وتعالى واكراما لوجه امام زماننا.
وما دمنا في ضيافة صاحب هذا الشهر الامام الحسين نتوسل به ونطرق بابه ونطلب منه بأن يساعدنا في رحلة التغيير هذه وان يمدنا الله بالصبر والسعة.
مخالطة الصالحين: إن مخالطة الصالحين تبعدنا تلقائيا عن الأمور والعادات السيئة وتقلل لدينا مستوى ارتكاب الذنوب، لأن الصالحين نادرا ما يرتكبون ذنبا وما دمنا معهم فلن نرتكب الذنوب أيضا وسننشغل معهم بكل ما هو مباح ومستحب وسنتعلم منهم كيفية السيطرة على النفس ونتحلى بصفاتهم ونكتسب منهم ما هو جيد وصالح.
تذكير النفس وتقييمها: من الجيد أن يذكر الانسان نفسه بالآخرة وما ستؤول اليه نفسه من الفوز بالجنة او خسرانها ويقيم اعماله التي يقوم بها على مدار اليوم ويرى هل أنها ترضي صاحب العصر والزمان؟ وهل تتوافق مع كونه منتظرا وممهدا لحكومة امام زمانه ام لا؟
المداومة على العمل الصالح وسد الفراغ: ان حذف عادة سيئة من حياة الانسان يسبب إيجاد فائض بالوقت لذا عملية التغيير تتطلب سد هذا الفراغ الحاصل بالوقت ووضع بديل حسن مكانه، لأن الفراغ يجرف الانسان نحو الامور والعادات السيئة، أما الشخص الذي يكون مشغولا دائما لا يمتلك الوقت ليفكر بالأمور أو العادات السيئة، لذا كل عملية حذف يجب أن يقابلها عملية ادراج.
ويبقى طريق الحب هذا افضل طريق للتغيير، فما على الانسان إلاّ زرع بذرة التغيير وترك الباقي على الامام الحسين الذي سيتكفل بسقيها والعناية بها حتى تنمو وتُزهر ورداً وياسميناً، لتحل محل كل سيئة وعادة سلبية اجراً وخيراً، لأن طريق الحسين (عليه السلام) هو طريق الاستثناء الإلهي وفرصة ذهبية لمسح ملامح الذنب والارتقاء بالنفس وتحقيق الغايات الأخلاقية التي ثار من اجلها الامام في تحقيق العدل الإلهي والوصول الى السمو، ليدرج على اثره التغيير ضمن الخانات الاولى في تحقيق الأهداف العاشورائية التي هزت كيان البشرية.
اذن من المهم جداً أن تكون كربلاء هي المحطة الأولى والهدف الأسمى في تهذيب النفس وخطوة جادة للتغيير الايجابي ومنبراً لاستلهام العبر والأفكار التي حاولت واقعة الطف ايصالها الينا.
وقد خلفت مسيرة الإمام اسساً جديدة للتغيير، فالثورة التي جاء بها الحسين (عليه السلام) اسقطت الولاءات القبلية، فثار العبيد على الأسياد وثار الحق على الظلم، فقد حطم الامام (عليه السلام)، حاجز الخوف من التغيير، فإذا كانت المسلمات الأخلاقية المزيفة تجول في المجتمع، فإن الثورة نسفت هذه المسلمات ووضعت ضرورة الثورة مكانها، فقد استطاع الحسين (ع) طمس كل الصيغ والتراكيب الفكرية والنفسية التي كانت تشكل العمود الفكري للتغير.
اضافةتعليق
التعليقات