"قُلنا اهبِطوا مِنها جَميعاً فإمّا يأتينكم مِنّي هُدى.." هبوطٌ جماعي لمخلوقاتِ السماء في أحجيةِ الشدّة والرخاء كانَ قد قادها مخلوقُ العبادةِ المتألهُ بنفسهِ حتى ارتأى أن يكونَ أفضلَ المخلوقات دونَ رضا الخالق، فأودى بأممِ الجنة مُساقين إلى أرضٍ لم تكن مُهيأةً لوجودهم قط، ولا محققةً لأهدافهم في الخلودِ تحتَ ظِل الرحمةِ الأبدية؛ لكنَّ النزوحَ البشري لم يكن دونَ خريطةً كانَ قد أقسمَ الباري أن يملأها بِسُبلٍ من الهُدى وهو ما كان حجرَ الفصل بينَ مَن يريدُ العودة ومن اتخذ قرارَ البقاء مُنذُ أن وطأ الأرض.
لكنَّ رعاةَ العلم المُجرّد لا ينساقون لقرائن القرآن الكريم ولا يُحيطون بشموليةِ أدلتّه، بل يُساقون خلف تساؤلاتٍ كثيرة كانت حصيلة صمتِ التفسيرات المنطقية التي يُشيدون بها دون الدين، فكان من أصلب الجدران الاستفاهمية التي ارتطموا بها هي: لماذا نخضعُ لهذهِ التجربة الأرضية؟ وما هي نهايتها؟ وهل هنالك درجة نجاح تؤهلنا للسمو على بُراق المجد؟
لقد تمنهجت تجربة البشر على هذهِ الأرض منذُ اليوم الأول، على وجود رُعاةٍ لحديث الله عز وجل، يحرصون على الفات الإنسان إلى نقطة البداية ألا وهي "الإيمان" والذي عرّفهُ علماء الغرب على أنهُ: "الثقة في أن شيئًا ما حقٌّ أو موجود، بلا إمكانيَّة الاستدلال الدقيق عليه" وعرّفهُ أبو عبدالله جعفر الصادق (ع): "الإيمان دعوىٰ لا يجوز إلّا ببيّنة وبينته عمله ونيّته"، فاختلاف التفسير يدّل على متانة الأصل ومدى أهمية اختيار المصدر في تحديد الوجهة، وهذا ما عملت عليه الأديان السماوية وأنبياؤها وهو إثبات حُجيّة الحديث بما يُلائم هذه التجربة، وكذا بيان سلاح البشر على هذهِ الأرض وهو العبادة.
قال تعالى: "وما خَلقتُ الجِنَّ والإنسّ إلا ليعبدون" فالعبادة هي ذاكرةُ الإنسان وبوابتهُ إلى كسب الغنيمة الأعظم من وجوده وهو "المعنى"، فهيمنةُ المعنى في حياة الفرد هي وجودهُ الراسخ وما إن يتجرد الإنسان منه أو يطلبهُ فلا يقصده حتى يفقد ذاكرته إلى الأبد وينتهي بهِ الحال في قعر الإلحاد أو إنهاء حياتهِ الفارغة دون شفقة.
فأثر المعنى لا يقتصر على إيجادهِ فحسب بل يُقولبُ بعناوين واضحة وسُبل لا تقبلُ النهاية، فقد وجد إبليس المعنى الأعظم في عبادة الله وكان يُعرفُ بالعابد لآلاف السنين يحوم السماوات والأرض بروحانية عجيبة، حتى جاء الفصل واُمر أن يدخل من بابٍ واحد وهو بابُ آدم وذريتهِ الذي كشف لهُ بأنهُ العابد ما دامت العبادة لا تقفُ أمام شموخه، وهنا سقطُت أقنعةُ الزيف وتلاشى وجودهُ، فقد تعامل الباري عز وجل مع عبادهِ بطُرقٍ تضمن لهم التخلي عن الأنا والتصاغر لأوليائه وهنا تكمن قوة المعنى في حياة الفرد والتي تدعوه إلى السمو بهيئة التواضع ، فمُدخلُ الصِدق يعني مُخرج صدق وهذا هو غاية الوجود ونهايته لذا فقد لخّص المولى أبو الحسن الرضا (ع) دلائل المعنى في حديث واحد: "لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي.... بشرطها وشروطها وأنا من شروطها" فهم من أوكل إليهم سر معنى البشرية ووجودها الأعظم.
اضافةتعليق
التعليقات