بين الفينة والأخرى وفي أوج التطور حيث أصبح العلم أسهل مايمكن الحصول عليه تظهر الكثير من الشخصيات فيطرحوه على دفعات وكلٌ منهم حسب اختصاصه فتأخذنا العزة بانفسنا كثيرا فنود لو أن السلم ينطوي على ذاته حتى ندرك آخره وفي منتصف الأمنية نجد أن جناحنا كسر ووقعنا إلى الأسفل فلا ندرك أي سلمة قد احتضنتنا.
ينتابنا التساؤل والخوف تارة فلا ندرك ماكان مضمون السلمة السابقة ولا نستطيع أن نحتوي ما فيه نحن فتذهب عقولنا في مهب الريح، كمثل حقنة سلمها الطبيب لشخص لا يفقه كيف يعطيها للمريض فملأها بالدواء كاملا دون أن يعرف ماهو الحد المسموح سحبه من زجاجة الدواء، فانتكس المريض فجأة وأصبحت حقنة الدواء هي الداء بحد ذاته، شعرت بتلك الحقنة التي سارت في جسدي بضغط كبير وتساءلت عن السلمة الأخيرة وأنا لم أدرك حتى منتصف السلم ولكنه الفضول البشري الذي يود إدراك كل شيء.
لا تكسر من هو تحتك
في إحدى جلسات المعرفة جعلني حديث متطرف في قول إحداهن استغربت وهي قد درست الفقه وهو فضل من الله حين يهيء الطريق السهل لعباده في معرفته قائلة في حديث كان يدور حول أن على الانسان البحث ومعرفة كل شيء: ليس من الضروري أن يعلم الشخص العادي كل شيء يكفي أن يعرف الأمور الظاهرة وكان حديثها بنبرة استهزاء ببعض من حولها ممن لم يرتادوا دروس الدين تلك وختمت قائلة: أن أستاذها أخبرها يكفي أن نعطي العامة قطرات من العلم، بينما الحقيقة تختلف تماما فمن هم أعلى منهم مكانة وأفضل معرفة وقد أيدهم الله بوحيه قد طرحوا كل العلم بين أيدي الناس فلعل أحدهم يميل قلبه فيهتدي ومازالت أقوالهم تصب الدين في قلوب سامعيها كأنه الشهد فعن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) في درس من دروسه: "إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شئ حتى ينتهي إلى العاشر، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره".
وهذا يعني أنّ درجات الإيمان درجات طوليّة لا درجات عرضيّة، والفارق بين الدرجات أنه لا يُشترط في صاحب الدرجة الأعلى أن يمتلك كلّ ما يمتلكه صاحب الدرجة الأدنى فضلاً عن الزيادة، هي بعض كلمات تؤسس منهج حياة قدموها آل بيت الحكمة على لسان الصادق فأنزلها على قلوب المؤمنين شهدا حلاوته لا تفارق الإنسان أبدا فليس من الضروري أن تكون عالما فقيها بكل شيء ولا تترك مجلسا إلا وقد بسطت فراش حديثك وإن لم يكن لك به علم، ومن ناحية أخرى إن كان الله قد أغدق عليك بنعمه وأعطاك من العلم والمعرفة ما يفوق غيرك فلا يعني أن تتكبر فترى نفسك خيرا منهم، وبذات الوقت مهما وصلت من العلم فما زلت بحاجة إلى التعلم فاصعد على مهلك دون استعجال.
وكان الامام (عليه السلام) في حديثه يوجه إلى نقطة مهمة جداً في طريقة أسلوب تعامل الناس مع بعض، لأنهم متنوعون في الثقافة، فهناك من يملك الثقافة العالية، وهناك من يملك ثقافة متوسطة أو دانية، فربما يبرأ صاحب المستوى العالي في الثقافة أو في الإيمان من الذي هو أدنى منه ويحتقره ويسقطه، باعتبار أنه يملك الموقع الأعلى في هذا المجال وهذا بالضبط ما شعرت به في أثناء الحوار.
ولعل هذا من الأمور التي تعيشها كثير من المجتمعات، وببساطة إننا لو أسقطنا من هو أقل ثقافة منا أو إيمانا، فإن معنى ذلك اعتزازنا بموقعنا ودرجتنا، متناسين أن هناك من هو أعلى منا، ويكمل الامام حديثه فيوجه الناس إلى طريقة التعامل مع من هو أقل منك، "فارفعه إليك برفق"، أي حاول أن تدرس عقله لتكلمه في مستوى عقله، وحاول أن تدرس إحساسه ومشاعره، حتى لا تثقل عليه، وأوح إليه أنه قادر على أن يرتفع إلى درجة أعلى مما هو فيه، "ولا تحملنَّ عليه ما لا يطيق فتكسره"، خاطبه بالكلمات التي يفهمها، تحدث معه بالأسلوب الذي يمكن أن يخترق كل عقله وقلبه، وحاول أن تحترم مشاعره وأحاسيسه ونقاط ضعفه، هو ببساطة كما لو أنك تضع مرهماً على جرح يكاد يلتهب، ففي كل الأحوال جميعنا يود لو أنه يدرك آخر السلم وليس فينا من يختار أن يبقى على العتبة ولكن هو الزمن وما يخبئه يقسم الناس على فئات كل منهم يدرك أول السلم في ميعاده فيجد أنه قد حان الوقت ليتعلم مايجب عليه معرفته.
ربما قد يجتهد الشخص في صغره وأحيانا يأخذه صغره إلى كبره ولايزال السلم مكانه لايتحرك حتى يهدينا الله إلى سبيل الرشد فهو وحده القادر على اخراجنا من ظلمات أرواحنا إلى نور الإيمان.
فلذلك أيها العزيز كما تحب أن يعاملَكَ مَن هو فوقك عامل أنت مَن هو دونك، فخذ بِرفق يدِ مَن هو دونك وارفعه إليك حتى يأخذ مَن هو فوقك يدك برفق ويرفعك إليه، ولا تكسر مَن هو دونك فيكسرك الذي هو فوقك، هي الحياة تستمر بالرفق واللين كما يختم إمامنا الصادق (عليه السلام) قوله: "فارفعه إليك برِفْق ولا تَحْمِلَنَّ عليه ما لا يُطيق فتكسِرَه، فإنّ مَن كَسَر مؤمناً فعليه جبره".
اضافةتعليق
التعليقات