في إحدى الجلسات الحميمة التي جمعتني مع قريبتي سارة التي جاءت للتو من أوربا بعد اغتراب طال أكثر من ٢٥ سنة.
كنت متشوقة جدا لرؤيتها، إذ كانت لها رؤية مختلفة عنا فهذا البعد عن المجتمع العربي لهذه الفترة الطويلة جعلها أكثر ابتعادا عن العادات أو التقاليد التي ترعرعنا عليها هنا.
اللطيف جدا أنها اندمجت سريعا مع العائلة، كنا نخوض معها أحاديث هادئة وحميمية، وتبادلنا الكثير من الكلام الممتع حتى بدأت أصوات ضحكاتنا تتعالى في أرجاء البيت فقالت فاطمة بنت خالتي وملامح القلق تبدو على محياها "اللهم اجعلها ضحكة خير"..
نظرت إليها سارة وقالت بصوت خافت: هل تعانين من شيروفوبيا؟، فأجابت فاطمة: هل تقصدين الرهاب الاجتماعي لا كفانا الله شرها، لماذا؟!
فردت عليها سارة: إذن لماذا شعرتِ بالقلق ونحن في حالة جيدة ومستمتعين بوقتنا؟
قالت فاطمة: لا شيء فقط خفت أن تنقلب فرحتنا علينا، فالأفراح لا تدوم لأمثالنا.
استغربت سارة من هذا الكلام ولم تستوعب ما قالته فاطمة، إلاّ أن خديجة تداركت الموضوع وغيرت مسار الحديث بالسؤال الذي وجهته لسارة عن اسم الكريم الذي تستخدمه لبشرتها.
فعلا تغير مجرى الحديث، ولكني بقيت أفكر في هذا الأمر فما قالته ساره فعلا منطقي، إذ ليس هنالك أي دليل علمي يفسر حالة فاطمة سوى أنها تعاني من الشيروفوبيا والتي تعتبر حالة نفسية يقوم فيها المريض بتجنب التجارب أو المواقف السعيدة. ولكن إذا أردنا أن نطلق على هذا الأمر رهاب أو شيروفوبيا فكم شخص في المجتمع العربي يعاني من هذا المرض؟
مع بالغ الأسف هذا الأمر نابع من الخوف من المستقبل، ومن فكرة أن السعادة لا تدوم هي فكرة متجذرة في عقول الناس، يؤسفني أن أقول بأن المصدر الأساسي لهذه الأحاسيس والمشاعر التي يعيشها الإنسان هي عدم حسن الظن بالله.
فالإنسان الذي يحسن الظن بالله لن ينتظر من الله إلّا الخير، فاللحظات السعيدة التي يهبها الله للإنسان من المستحيل أن تنتهي ما دام الانسان يحسن الظن بالله، فالله تعالى أكرم من أن يعكر صفو حياتنا ليعطينا شيئا ويأخذه بعد ذلك. (حاشا لله)
فقط الذي يسوء الظن هو الذي يعتقد بأن الله سيزيل عنه هذه اللحظات وأنه سيستبدلها شرا وفعلا يحصل له ذلك، إذ يقول الإمام الرضا (عليه السلام): أحسن الظن بالله، فإن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي المؤمن بي، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا"[1] إنها قاعدة إلهية، فعلى حسب ظنك بالله يكون رزقك، إن كان خير فخيرا، وإن كان شر فشرا...
ومع بالغ الأسف أن هذه المعتقدات السيئة انتشرت في عقول الناس وتوارثتها الأجيال فيما بينها فباتت السعادة على أثر هذه الأفكار أشبه بعلبة جبنة لها تاريخ انقضاء ومن الممكن أن تنتهي صلاحيتها في أي وقت وتكون غير قابلة للاستخدام!.
هذه الأفكار نابعة من قلة الايمان بالله تعالى وقد يحاسب الانسان عليها، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "والذي لا إله إلا هو، لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله كريم بيده الخيرات، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه"[2].
[1] الكافي: ٢ / ٧٢ / ٢.
[2] البحار: ٧٠ / ٣٦٦ / ١٤ وص ٣٨٥ / ٤٦.
اضافةتعليق
التعليقات