كبرنا وكبر معنا التصور بأن الكاتب يتمتع بشخصية برجوازية فريدة، ويعيش في برجه العاجي متفردا بذاته بعيدا عن متناول الناس بحيث يصعب الوصول إليه بالطرق التقليدية.
ولا شك بأن الوصول إلى إحساس الكاتب وفهم نصوصه يحتاج إلى مشقة كبيرة في فهم شخصية الكاتب نفسه والمدرسة التي ينتمي إليها، وفك الشفرات التي يشير إليها في نصوصه، وفهم ما خلف السطور وتفسير الكلمات الرمزية وغيرها الكثير والكثير من التعبيرات المجازية التي ربما نقف أمامها مبهوتين وعاجزين عن معرفة المعنى الحقيقي الذي يرنو إليه الكاتب!
ومع كل هذا الغموض الذي يعيشه الكاتب فقد يمر في فترات معينة من حياته بعزلة عميقة مجهولة السبب يبتعد فيها عن كل شيء له صلة بالكتابة.
ولكن هذا الموضوع لا يمكن تعميمه على الكتّاب جميعا، فبالتأكيد ليس جميع الكتّاب سواسية، إذ أن هنالك من يأخذ الكتابة مهنة يمتهنها من أجل لقمة العيش ويمارسها يوميا بصورة روتينية دون أن يعيقه شيء، فلا مجال للتوقف ولا يرى داعيا للعزلة وترك الكتابة ولا حتى الهجرة إلى البرج العاجي الذي يتصوره الناس له!
كما أن هنالك فئة من الكتّاب تصبح الكتابة عندهم جزءاً لا يتجزأ من حياتهم الخاصة، فيمارسون الكتابة كعادة يومية ولا يستطيعون التخلي عن هذه العادة مهما حصلت لهم من ظروف، لدرجة يسجلون فيها كل تفاصيلهم اليومية وقد يمتلكون حتى دفتر مذكرات أو يوميات يدونون فيها أفكارهم والأحداث التي ترافقهم على مدار اليوم.
ولكن لو أردنا دراسة الحالة التي تمر بها الفئة الأولى من فئة الكتّاب (فئة البرج العاجي) فقد نجد أسبابا مختلفة وراء العزلة التي يمرون بها، سواء كانت نفسية أو اجتماعية، فقد نجد الكاتب المتقطع أو الموسمي ينشر كتابا ثم يختفي فترة من الزمن وبعد مدة طويلة يخرج بعمل آخر ثم يختفي وهكذا...
والأسباب وراء اختفاء هذا الكاتب غير محددة وغير ثابتة، ربما تحكمه الحالة المزاجية أو الظروف التي يمر بها في مجتمعه، أو ربما قلة الوقت، فالعمل يقتل نصف اليوم والكثير من الكتّاب يمارسون عملا وظيفيا أو حرا بجانب الكتابة، لكون الكتابة لا تسد رمق العيش الاقتصادي، بل ويضطرون أحيانا إلى العمل بوقت إضافي من أجل توفير المصاريف المطلوبة لطباعة العمل.
فغالبا تكون إنتاجية هذا النوع من الكتّاب قليلة بسبب ضيق الوقت وازدحام الأعمال فالعائلة والعمل الوظيفي والحياة الخاصة تحتاج إلى الكثير من الوقت، فيحاول الكاتب قدر الإمكان ممارسة العمل الكتابي في أوقات الفراغ أو ينتظر حتى تحل له الفرص أكثر ليستغلها في الكتابة.
والفئة الأخيرة تتمثل بالكاتب المدلل الذي يمتلك الكثير من الوقت وظروفه الحياتية جيدة، وتتوفر له جميع سبل الكتابة، ولكنه يتهرب من الكتابة بحجة المزاج، فيبقى مستلقيا على أريكته المريحة المصنوعة من الاوهام منتظرا وحي الكتابة عسى أن يتلطف وينزل ويقدم له الفكرة والقلم الورقة على طبق من ذهب ويترجاه أن يخط بعضا من الكلمات السحرية للجمهور المنتظر.
بالتأكيد لن يحصل ذلك مادام الكاتب لا يقدر الموهبة التي وهبها الله تعالى له، فالله يهب العطايا للعبد ليقدرها ويستغلها في خدمة الله، فالتكليف محدد وواضح وصريح ألا وهو خدمة الإسلام، والإنسان الذي يشخص تكليفه ويحدد منبره سيعرف ما له وما عليه من واجبات تجاه الله سبحانه وتعالى وتجاه الدين، فالكاتب الذي يشخص منبره الكتابي ويحدد جمهوره ويفهم بأن تكليفه هو توعية المجتمع وتوجيهه نحو الرشاد والصلاح بالتأكيد لن يتهاون في تكليفه لأسباب تافهة، لأنه سيتحاسب على كل تقصير بدر منه دون سبب أو عذر شرعي مقنع، مثله مثل الطبيب والعالم ورجل الدين والمعلم... الخ .
فالهدفية هي بمثابة الوقود عند الكاتب، والكاتب الذي لا يمتلك هدفا يكون أكثر عرضة للعزلة والتوقف، لأنه لم يحدد لنفسه هدفا ولم يشخص تكليفه في نصرة الدين ولم يعرف بأن توقفه وضمور قلمه سيعود بالضرر على الإسلام وسيضعف جبهة الحق مقابل جبهة الباطل التي تعمل ليلا ونهارا دون توقف لضرب الإسلام وتشويه المفاهيم الدينية من خلال المقالات والكتب والمجلات التي ينشرونها بصورة يومية. ففي النهاية الفئة المتقاعسة من الكتّاب والمتهاونة في نصرة الدين والتاركة قلمها على هواها ستنصر الباطل بصمتها دون أن تعلم إذ أنهم كما وصفهم المولى أمير المؤمنين مثل الذين "خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل" (الامام علي (عليه السلام)/ نهج البلاغة).
اضافةتعليق
التعليقات