ذُبحت البراءة على مقصلة الحكام، ونزلت دموع ذاك الشيخ الكبير مقبلة ما ابيض من لحيته، رفع ناظريه إلى السماء وكلتا كفيه يشكو ليالِ الأسى بعبائتها السمراء وحزن العاشقين على مبسم الورد، لفظ بأنفاس تجرها حسرات الفقر والقهر.
(عيون العاشقين يامولاي ترجو لقائك، هلا برأفة منك ترد الروح لهذه اللهفة) ثم انحنى ظهره ومالت رقبته كأنها تحمل أوزاناً فلا تستطيع الاستقامة حتى فاضت عيناه في حضرة الإله من خشيته وارتسم الوطن في طيات جبينه وبانت بحة الصوت وهو يناجي امام زمانه، الفرج الفرج ياصاحب العصر والزمان، كان يعلم أن امام زمانه يستمع لمن مثله يناجي وكل يقينه يصبه بين كفيه، فهي عقيدة قد ولدت في قلبه وسُقيت بحب آل البيت حتى انبتت نباتا حسنا ثماره يقينا أن نهاية الزمان فرجاً كبيرا.
حينما نتأمل في كل فكر ومعتقد سنجد أن هناك أساسا يبنى عليه هذا المرتكز لأنه أساس النظرية ومحور الفكر وتتحرك كل التطبيقات على أساس، فكيف إن كان هذا المرتكز هم شجرة جذورها الاسلام وثمارها النور وفروعها التقوى والاستقامة وحدها الفاصل صراط لا ريب فيه، أطعمت كل ذي مؤمن عبر الأجيال هويته بصورة وإن كانت تخللتها بعض الأتربة إلا أن نقائها الفطري حارب حتى سطع ضياءه، وطالما أن لكل ثقافة مميزات وخصائص نفسية واجتماعية بشكل محدود يرتسم من قبل مختصين ومفكرين، فهناك ثقافة فاقت كل الوجود استمدت تعالميها من واحد لاشريك له وضع فيها نور ساطع وعلما نافعا بنيت على خط الوراثة الذي لاضرر فيه ولاضرار يستقي اسسه من الدين ومبادئه من قرآن كريم وفق مبدأ حي وفعال ولو طبق على الناس لأنتج العدل الكبير.
ولكن القضية الأهم هو من يطبق هذا الفكر في زمان أصبح فيه الليل داج والكفر ذو أبراج وكثر من الناس على اعوجاج دائم يميلون مع كل مائل وينعقون وراء كل ناعق.
وارث الامامة وقائم العدل:
قال(صلى الله عليه وآله): (إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن تجللها سحاب)، إن الأرض تضيء وتتلالأ بنور ذلك النور الإلهي فقد نُقل عن أبا عبد الله عليه السلام يقول: (أن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة).
إن المؤمنين في ذلك العصر تكون أذهانهم مستعدة للفهم والتعلم ويكونون على درجة من كمال العقل والعلم والمعرفة ويتعلمون جميع أقسام العلوم من ذلك المنبع الإلهي ويكون حصول هذا الأمر لهم من بركة يده المباركة التي يمررها على رؤوس محبيه برأفة ورحمة، فالارتباط بالإمام الحجة المهدي ليس مجرد ارتباط بفكرة عقيدية غيبية بل بإنسان كامل حي جسداً وروحاً يعيش بيننا يرانا ونراه يعرفنا ولا نعرفه يسددنا ويوجهنا إلى حيث مصلحتنا ومصلحة الأمة وهو إمام الكون وقوامه.
فلولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فهو أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، إنه عليه السلام يحكم بمثل حكم داود وسليمان عليهما السلام لا يطالب بالبينة بل يحكم على ما هو الواقع ونفس الأمر، حيث إنه عالم بكل ما هو في الواقع ويكون كل شيء عنده واضحاً جلياً، فعن الصادق عليه السلام: «إذا قام القائم حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه ويعرف وليه من عدوه)، وتشبيه وجوده المقدس بالشمس إذا جللها السحاب، بأنه نور الوجود والعلم والهداية وسائر الكمالات والخيرات تصل إلى الخلق ببركته (عليه السلام)، وببركة الشفاعة، وبالتوسل به (عليه السلام) تظهر الحقائق والمعارف لأوليائه، وتنكشف البلايا والفتن عنهم.
فبوجوده بقاء العالم وصلاحه فقد ورد عن جابر بن يزيد الجعفي، أنه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): لأي شيء يحتاج إلى النبي (صلى الله عليه وآله) والامام؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله عز وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام قال الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾.
وقد جاء متواتراً عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء).
وإن كل من تنور قلبه ولو بقليل من نور الإيمان يعلم أنه إذا انسدت أبواب الفرج على أحد ولا يعرف طريقاً له، أو اشتبه عليه مطلب دقيق، أو مسألة غامضة، فإنه عندما يتوسل به (عليه السلام) وبأدنى توسل تنفتح أبواب الرحمة والهداية، فكيف إن بانت علامات ظهوره وسطع نوره فحتما سنكون على تلك الأرض التي باتت حلما لنا فهنيئاً لقوم سيكون بينهم فتغفر جُل زلاتهم ويسيرون على صراط دنيوي وعلم إلهي محكم وكتاب منزل على هيئة ملك انسي في ذكره الشفاء وفي رفقته النور والسخاء.
ومما ذكر في زيارة آل ياسين:
السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقرأ وتبين، السلام عليك حين تصلي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد.
اضافةتعليق
التعليقات