كلّنا نحبُّ الوطن، ونعشق نسائم عطر ترابه، وكلّنا كذلك ندّعي إخلاصنا له، بل ونتحدى أن يأتي أحد ليزايد علينا وطنيّتنا وحبّنا وإخلاصنا.
فالحبُّ كالزهرة الجميلة، والوفاء هي قطرات الندى عليها، أما الخيانة _كما قيل _ هي الحذاء البغيض الذي يدوس على الوردة فيسحقها.
الخائنون لأوطانهم يتساقطون كأوراق الخريف عند أول منحدر وفي أول اختبار؛ ليس لأن المنحدر قاس أو وعر، بل لأنّ حبّهم المدّعى لأوطانهم هش ضعيف، لا إخلاص فيه ولا يقوى على السير.
فالخيانة أمر بغيض ونافر، ولا أحد يقبل بأن يُوصم بالخيانة من قريب أو بعيد، وهو أمر متفق عليه بين العقلاء الأصحاء.. كما أنها جلباب الفاسدين بشتى أصنافهم وألوانهم، ومهما ادّعى أحدهم الإخلاص زورا وبهتانا، فإنه لن يكون شفيعا له عند الاختبار.. وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
فالزوج الذي يبحث عن علاقات أخرى خارج اطار الزوجية، يصادق هذه ويواعد تلك، هو خائن لزوجته، وإن تسمّى زوجا صالحا. والزوجة التي تلين وتستكين وتتودد لهذا وذاك من الرجال، هي خائنة لزوجها وإن تسمّت بالزوجة الصالحة.
الموظف الذي يمضي جُلّ وقته في اللعب على طاولة عمله، يقتل ساعات الدوام بحل الكلمات المتقاطعة، أو يهدر وقته بالاتصالات الهاتفية، هو خائن لرب عمله وخائن للمؤسسة التي وظّفته. المعلم الذي لا يبذل قصارى جهده لطلابه، ولا يعير اهتماما لرسالته التعليمية، ولا يحرص على تطوير تلاميذه علميا وتربويا، هو خائن لرسالته في الحياة.
الفلاح الذي يتكاسل عن أرضه، ولا يلتفت لما أعطاه الله من بركات وكنوز، فلا هو يحرثها ويزرعها، ولا يدع الآخرين يحيونها ويزرعونها، بل يذرها قاعا صفصفا هو خائن لترابها. المقاول الذي يغش في مواد البناء، ولا يأتي بالمواصفات المطلوبة، ولا يخاف الله سبحانه فيما تؤول إليه أمور الساكنين هو خائن لمهنته وضميره.
الإبن الذي لا يبرّ بوالديه ولا يطيعهما ولا يهتم بهما ولا يرقب فيهما إلاَّ ولا ذمة، بل ديدنه ال (اف) لهما، مثله مثل الخائن تماما. الرئيس الذي يبيع وطنه للغريب ويعقد الصفقات السرية، ولا يرعى أمور شعبه، بل يكون عليهم سبعا ضاريا فيغتنم أكلهم ويعطل مصالحهم، بينما على عدوه هيّنا ليّنا، هو خائن لا شك لوطنه وأبناء شعبه.
فما هي عقوبة الخيانة ياترى؟
هل سمعتم حكاية الطائر الخائن لبني جنسه؟ إليكم هذه الحكاية..
يروى أن قروياً صارت له علاقة صداقة مع طبيبٍ من المدينة.. وفي يوم من الأيام، دعا الطبيب صديقه القروي إلى تناول الغداء في بيته، وما إن استقر القروي في مجلس بيت الطبيب، حتى رأى شيئاً أثار استغرابه، حيث رأى الطبيب يضع في حضنه طير (حجل) ويعطيه كل إهتمامه، لا يأكل حتى يأكل الطير، ولا يشرب حتى يشرب الطير،
مما دفع القروي أن يسأل الطبيب عن سبب اهتمامه بطير (الحجل) فرد عليه الطبيب:
بعد أن نتناول طعام الغداء ستعرف سبب اهتمامي بهذا الطير. وبعد تناول طعام الغداء اصطحب الطبيب صديقه القروي إلى مكان خارج المدينة، وأخرج طير (الحجل) من قفصه، ووضعه على مكان مرتفع (تلة)، وراح هذا الطير يطلق صيحات علا صداها فبدأت طيور الحجل تتجمع بالقرب منه، ولما تجمّع عدد كبير منها، أخرج الطبيب بندقيته وأطلق منها الرصاص بإتجاه جميع الطيور، بعد عزل طيره الخاص عنها، فقتل عدداً كبيراً منها.
وهنا التفت الطبيب إلى صديقه القروي قائلاً:
هل عرفت الآن يا صديقي سبب اهتمامي بهذا الطير؟
فرد القروي :
نعم عرفت أريدك ان تبيعني إياه وأعطيك أي مبلغ تطلبه..
فامتنع الطبيب في البداية، ولكن صديقه القروي أغراه بالمال، فباعه إيّاه وما إن استلم القروي الطير، حتى قال لصديقه الطبيب:
أريد أن أجرّبه كما كنت تفعل.
فرد الطبيب :
نعم هو الآن طيرك فافعل ما تشاء.
فوضع القروي الطير على نفس (التلة)، وقبل أن يبدأ الطير بإطلاق صيحاته، مدّ القروي يده إلى البندقية، واطلق النار عليه وقتله، وهنا صاح الطبيب على صديقه القروي: ماذا فعلت يارجل كيف تقتل مثل هذا الطير؟
فقال له القروي :
هذا الطير يجب أن يموت، لأنه يفتح لك باب قتل أبناء جلدته، فموته يحفظ الآخرين يا صديقي الطبيب المتحضر!.
فكم منا ياترى يستلزم ازالة مرارته إلى غير رجعة؟ وكم منا ياترى من يحتاج إلى استئصال شأفته، بسبب خيانته للزاد والملح معا؟ كثيرون هم... اللهم لا تجعلنا منهم.
اضافةتعليق
التعليقات