يعتبر لوم الضحية أسوأ الخصال الموجودة في سلوك بعض البشر حيث إنه لا يصدر عادة إلا ممن يشعرون بضعف داخلي شديد، أو خوف شديد، أو يعانون من شعور مسيطر عليهم بالذنب.
فنرى عندما يقدم شخص ما على فعل عنيف أو مؤذي يستهدف أحد أفراد المجتمع الآخرين، من المنطق أن يتحمل هذا الشخص مسؤولية فعله الذي قام به بكامل إرادته، لكن رغم بساطة وبديهية الأمر، فإننا نلاحظ وجود قسم كبير من البشر يميل إلى تحميل الضحية المسؤولية الكاملة لما تعرضت له من أذى، أو على الأقل جزء منها، في مقابل إعطاء المجرم - حتى إن اعترفوا به كمجرم - الكثير من المبررات لما فعله.
لهذه الظاهرة اسم وهو "لوم الضحية"، ونظرًا لخطرها الشديد على المجتمع عامةً وضحايا العنف والاعتداءات خاصة، خصص لها الباحثون مساحةً كبيرةً في دراساتهم، وقدموا لنا شروحات كثيرة تشمل تعريفها وأسبابها بالإضافة إلى طرق مكافحتها.
ما هو لوم الضحية في علم النفس ؟
الضحية هو الشخص الذي تضرر من الجوانب النفسية من تصرفات شخص آخر أو نتيجة للظروف، حيث يحدث لوم الضحية وهو فعل يحدث عندما تُعتبر الضحية (أو الضحايا) لحادث ما، مسؤولة كليًا أو جزئيًا عن الجريمة التي ارتُكبت بحقها، فتبدأ الضحية بمواجهة سلسلة غير متناهية من ردود الفعل السلبية سواء كانت من المختصين كالعاملين في القانون والمجال الطبي والنفسي أم من وسائل الإعلام أو حتى أفراد العائلة المباشرين وغيرهم من الأقارب والمعارف. وتتباين درجة اللوم أو التعاطف التي تحصل عليها الضحية بحسب طريقة فهم المجتمع للحادثة ومدى سوء فهمه للموقف، حيث يعتقد البعض أن بعض الضحايا يستحقون ما حل بهم إما بسبب استهتارهم وإما بسبب سوء تصرفهم أو غيرها من المبررات، ما يصعّب عملية التأقلم مع الصدمة لدى الضحايا، بسبب ضغط المجتمع الإضافي عليهم.
وإن لوم الضحية عبارة شائعة ارتبطت ذهنياً بإلقاء اللوم على النساء حال تعرضهنّ لانتهاكات جسدية أو لفظية، إلّا أنّ ثقافة لوم الضحية ليست منوطة بالنساء وحدهن، حتى وإن كنّ هُنّ الأكثر تعرّضاً للّوم في حال التعرض لاعتداء ما. ثقافة لوم الضحية قد تستهدف الجنسين على حد سواء، على الرغم من شيوع تلك الممارسات ضد النساء بشكل ملحوظ، وتستند هذه الظاهرة إلى تحميل الضحية مسؤولية الاعتداء كليّاً أو جزئيّاً، وقد تنبع هذه الثقافة من الجماهير ذاتها، حتى وإن كانت تلك الجماهير تتعرّض للتسلط تحت سياق آخر أو في السياق ذاته.
أشكال لوم الضحية
هناك أنماط متعددة من الفهم الخاطئ لطبيعة الحوادث التي ينتج عنها الضحايا، ولطبيعة الشخص المعتدي والمُعتدى عليه، حيث يختار الناس إلقاء اللوم على الضحية عوضًا عن المجرم بسبب إيمانهم بأن الضحية من جلبت الأذى إلى نفسها عن طريق اتباع سلوكيات خاطئة، ولأن المجرم تحكمه طبيعة فطرية أو قوى فوق إرادته تدفعه لأذية الناس.
فيما يلي أشهر النظريات والأسباب التي يتبعها عامة البشر عند اختيارهم لخيار لوم الضحية:
نظرية "العالَم العادل"
أحد تفسيرات علم النفس الاجتماعي لأسباب لوم الضحايا هو نظرية "العالم العادل" (Just World)، والتي تقول إن اتجاه الناس لذلك ينطلق من رغبتهم في الشعور بالاطمئنان بأن ما تعرض له الضحايا لن يحصل لهم أيضا، لذلك يبحثون عن مشكلة أو خطأ أو عيب في الضحية تجعلها مستحقة للجريمة التي حدثت لها.
شيري هامبي أستاذة علم النفس، والمحررة في مجلة "علم نفس العنف" الصادرة عن الرابطة الأميركية لعلم النفس (APA) تعتقد أيضا أن الترويج الحالي لنظرية أن الناس يتحكمون في مصائرهم، وما يحدث لهم هو عواقب ونتائج أفعالهم، جزء من نظرية "العالم العادل"، أو ما يعرف بالإيمان بعقيدة الـ"كارما" (Karma) أو العاقبة الأخلاقية، لأن البعض لا يستطيعون استيعاب فكرة أن تحدث أشياء سيئة لأناس طيبين، فيتوقعون أن الأشياء السيئة التي حدثت هي نتاج طبيعي لتصرفاتهم.
عالم النفس الأميركي ملفين جاي ليرنر كان ممن ربطوا "لوم الضحية" بنظرية "العالم العادل" باعتباره انحيازا إدراكيا عميقا عابر للثقافات والاختلافات، ويشكله لا وعي الشخص ليحميه من التوتر والخوف من المصائب والجرائم التي قد تحدث له، وهو ما يشعره بالأمان.
هذا الانحياز لا يحدث بالنسبة للكوارث الطبيعية، نظرا لأنها خارجة عن نطاق سيطرة الإنسان، وتبدو وكأنها أمر لا مفر منه، عكس المصائب البشرية، التي يعتقد البعض أن الضحايا كان يُمكنهم أن يتجنبوها لو اتخذوا احتياطات ما، كما تعتقد باربرا جيلين أستاذة علم الاجتماع في جامعة "ويندر" لمجلة "ذا أتلنتيك" (The Atlantic) الأميركية.
خطأ العزو الأساسي
يمكن أن تسمّى أيضًا خطأ الإحالة الأساسي أو خطأ الإنساب، وهي باختصار محاولة إسناد الضرر الحادث لضحية ما إلى سماتها الشخصية، عوضًا عن النظر إلى الخطر القادم من البيئة الخارجية والمحيطة بها.
ويحدث هذا الخطأ أيضًا عند الكثير من الأشخاص لكن بصورة عكسية، حيث ينسبون نجاحاتهم على سبيل المثال إلى أنفسهم بينما يحملون العوامل الخارجية مسؤولية إخفاقاتهم بشكل دائم، من دون النظر إلى الموقف بصورة موضوعية.
نظرية عدم وجود احتمالية التعرض للخطر
يعتقد الأشخاص الذين يؤمنون بصحة هذه النظرية - سواء بوعي منهم أم لا - أنه لا يمكن أن يتعرّض أحد للخطر من دون ارتكابه لفعل خاطئ جذب له المخاطر، وهي إستراتيجية نفسية يمارسها المعتقدون بهذه النظرية لحماية أنفسهم من الشعور بالخطر.
كما تنص النظرية على أن ضحايا حوادث العنف بمثابة تذكير لنا بالمخاطر الموجودة في العالم من حولنا، لذلك يستخدم البعض هذه الآلية من التفكير لطمأنة أنفسهم وإعطائها إحساسا بأمان زائف، من خلال الاعتقاد أن الضحايا ارتكبوا فعلًا خاطئًا، إذا تجنبناه لن نتعرض لما تعرضوا هم له.
آثار ممارسة لوم الضحية
لسياسة لوم الضحية المتّبعة في بعض المجتمعات آثار مدمرة على الضحايا وصحتهم النفسية وقدرتهم على التأقلم مع الصدمة، بالإضافة إلى ترددهم للإبلاغ عن الاعتداءات المستقبلية بحال حدوثها، خوفًا من تلقي اللوم مرة أخرى.
أما الأثر الأخطر لهذه الممارسة هو تخوّف بقية الضحايا من الإفصاح عما تعرضوا له، خوفًا من الضغط الاجتماعي، ويؤدي ذلك إلى تفلّت المجرمين من العقاب وإفساح المجال لهم لارتكاب جرائم أخرى تستهدف كامل المجتمع. كما يمكن لمحاولات لوم الضحية أن تغيّر مسار الدعاوى القانونية وتساعد المجرمين ومحاميهم على تبرئة المتهمين وإفلاتهم من العقاب.
تقليل لوم الضحية في علم النفس
هناك عدة طرق لتقليل لوم الضحية في علم النفس إذا كان لدى الناس حلول فورية وسهلة للتخفيف من معاناة الضحايا، فمن غير المرجح أن يلوم هؤلاء الضحايا، حيث تسمح مساعدة الضحايا للناس بإعادة التهديد إلى إيمانهم بعالم عادل ويراعي ظروف الجميع، مما يقلل من الحاجة إلى استعادة التهديد من خلال لوم الضحية.
ومع ذلك لا توجد أحيانًا حلول سهلة وفورية للتخفيف من معاناة الضحية، فبمجرد أن يقفز الناس إلى استنتاج أن الضحية مسؤولة يصعب إقناعهم بمساعدة الضحايا أو إيجاد الأعذار عنهم، حيث أنه من الممكن أيضًا تقليل لوم الضحية من خلال تشجيع الناس على التعاطف مع الضحايا، فإذا كان الناس قادرين على أخذ منظور الضحايا أو تخيلوا بسهولة أنهم في مكان الضحية فمن غير المرجح أن يلوموا الضحية.
اضافةتعليق
التعليقات