في ذكرى مولده، سرني هذا الشرف أن أكتب عن شخصية عظيمة في مناسبة بهيجة كذكرى الولادة.. إنه شرف من نوع خاص، نداء علوي في تلك اللحظة التي مُلئت فيها حيرة وباغتني التخبط، وبما أنني لا أكتب في هذا الميدان كثيراً لأني أؤمن إن العلاقة بأهل البيت (ع) هي علاقة خاصة بيننا وبينهم، كل منا لديه مفهوم روحاني يخصه هو لذا توقعت أن يكون الأمر صعباً، لكن ما حصل كان مختلفاً تماماً!
تحت الشمس وقفت سائلة ماذا يعني علي؟ وهنا تردد في كياني سريعاً جواب قوي واضح ثبات
في عالمنا اليوم هناك الكثير من كل شيء، ملهيات كثيرة، أفكار كثيرة، معلومات كثيرة، مشاعر كثيرة، مصادر تسلية كثيرة، خيارات كثيرة، وفي وسط كل هذه الكثرة يتسلل العجز إلى دواخل الإنسان، تسلب منه قدرته على الاختيار، يصبح طافياً، لا جذور له، بعيداً عن الثبات.
في عالمنا اليوم لا يوجد شعور واحد ثابت بل زوبعة من مشاعر تزعزع حتى أكثر الكيانات استقراراً كل لحظة، لا يوجد فكرة واحدة ثابتة هناك طوفان من الأفكار، يجب عليك أن تردد أفكارك لنفسك بشكل دائم لتتذكرها، لتؤمن بها، لكي لا تبتعد عنها في خضم كل هذا التقلب، الثباتُ يصبح مطلباً أصعب وأصعب.
أحياناً نشعر بالضياع الشديد، نصبح هلاميون، لا نستقر على حالة، ونصف ذلك بالتحضر، العصرية، الانفتاح..
مع هذا يمكن عد الهلامية حالة أفضل من السيولة التي وصلنا إليها أو سنصل لها في المستقبل القريب، وستمحى معالم معظم ما هو جيد وجميل وصالح، تتراخى الحدود، تذوب، وتتلاشى.
نحن نفتقر إلى الثبات، نحن نحتاج إلى الثبات.
اكتسب الثبات سمعة سيئة عندما اتسم معظم الثابتين في عصرنا بالحدة وذلك لأنهم مؤمنون إيماناً قاطعاً برؤاهم -التي قد تكون صحيحة أو خاطئة- دون أن يعملوا العقل ويستخدموا أدوات المنطق للوصول إلى الرشاد والتحقق مما يؤمنون به للارتباط بها ارتباطاً يقينياً نابع عن معرفة أكثر منه وراثة أو حفظ أو سير مع التيار، لذلك الثابت في عصرنا شخص خائف من أن يجرفه التيار في أي لحظة، الثابت هو شخص لم يُمتحن بعد ليس إلا، أو قد يكون شخصاً ناجحاً بتجنب بؤر الأعاصير، شخص لم يخض غمار العيش.
الثبات الذي نجده في شخصية الإمام علي (ع) مختلف، إنه الثبات الحق، الثبات الذي يعلو على مخاوف الإنسان، مطامعه، أمانيه، مصالحه، وعن نفسه، فهو ليس ثباتاً لنيل الجنة، أو محض خشية من النار، إنه ثبات عارف بالحق متيقن منه، إنه ثبات محب مذعن مطيع قد سلم كل أمره لخالقه وآمن بحسن أقداره، إنه الثبات الناشئ من كون الفرد لا يبالي بآلامه أو راحته الشخصيتين، ينظر للصورة الكلية، للأثر الذي يلقي بظلاله على البشرية والتأريخ، إنه ثبات من أجل المعنى، إنه تفوق على الذات الدنيا واتصال بالأعلى والأعز والأعظم.
وحين نذكر ثبات المعصوم، يسأل سائل، أنا إنسان خطاء لا أستطيع الوصول إلى درجات العصمة تلك، وهذا صحيح، ولكن على الإنسان أن يسعى على الدوام للتكامل الأخلاقي والعبادي والروحي، فنحن لا نقوم حتى بأبسط الرياضات الروحية كالصلاة والصيام على نحو صحيح، ولا نتغلب على أنفسنا في تلك المواقف، نظلم أنفسنا بأنفسنا، فكيف نتوقع الحصول على نتائج؟
نحن نضع المعصوم كدليل إرشادي على طول الطريق عارفين إنه ليس بالإمكان وضعهم كأهداف للوصول لها كما نفعل تماماً عندما نضع رياضياً حافزاً لاكتساب لياقة صحية ونحن نعلم إننا لن نصبح رياضيين بل لا يمكننا منافسة من بدأ التمرن منذ صغره وقضى العمر يتدرب ويطور مهاراته ليصبح حاصدا للميداليات والألقاب، المنافسة غير عادلة ومحبطة ومجحفة بحقنا.
لكننا ندرك أيضاً إننا لم نخلق جميعاً لنصبح رياضيين فالأدوار تتنوع، كذلك لم نخلق جميعاً لنصبح معصومين، غير إننا جميعاً بحاجة إلى القدوة، وإلى المرجعية، إلى ميزان نقيس عليه خطأ وصواب المسير، شخص ما طبق المفهوم الذي نؤمن به على نحو كامل، وهذا ما نجده في ثبات الإمام علي (عليه السلام) التطبيق العملي للثبات الذي يجب أن يتحلى به الإنسان، الإنسان الذي لا يعيش من أجل نفسه فحسب، بل ينبذ الفردانية، ليكون مع أخيه كبنيان مرصوص، ويعلو فوق المتع الدنيوية ليكون خليفة على الأرض بنظرة مستقبلية عالمية.
اضافةتعليق
التعليقات