يعود تاريخ هذه الحرف إلى قديم الزمان حيث كانت موجودة في القرى والأرياف في بداية الأمر وكانت المنتوجات تستخدم للأغراض الشخصية في المنزل. بعد ذلك برزت ظاهرة بيع هذه المنتجات في السوق وأدى هذا إلى تشكيل مجموعات مهنية من ممارسي هذه الحرف.
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الـعشرين بدأت في بلدان عديدة محاولات لبعث الحياة في هذه الحرف من جديد وكانت روسيا من بين هذه البلدان. كما أٌقر في الآونة الأخيرة برنامج حكومي لدعم وتطوير الحرف الشعبية الفنية الروسية القديمة التي تضم:
خوخلوما وغيجيل وصواني جوستوفو وأواني مصنوعة من لحاء شجرة البتولا وغيرها من الحرف الشعبية القديمة الأخرى التي تشتهر بها روسيا الاتحادية.
لقد انتقلت هذه الحرف من جيل إلى جيل من أستاذ إلى أستاذ ومن الأب إلى ابنه حتى وصلت إلى يومنا هذا لكي نتمتع بمشاهدة أشكالها الجميلة والبديعة.
خوخلوما:
إحدى الحرف الشعبية الفنية الروسية القديمة يعتقد المؤرخون أن هذه الحرفة ظهرت في القرن الـ 17 في القرى والبلدات الواقعة على الضفة اليسرى لنهر الفولغا. جاءت التسمية من اسم البلدة التجارية "خوخلوما" التي كانت سوقاً تجارية في ذلك الوقت حيث كان التجار يتوافدون إليها من المناطق المجاورة والبعيدة لبيع منتجاتهم ولشراء حاجياتهم ولما كانت هذه البلدة المكان الوحيد لبيع وشراء الأواني ذات الألوان الزاهية المصنوعة من الخشب لذا فقد اطلق اسم البلدة على هذه المنتجات الخشبية.
منتجات خوخلوما: هي عبارة عن أواني ومصنوعات خشبية مثل الملاعق والكؤوس والموبيليا وغير ذلك مطلية بألوان زاهية ذهبية وحمراء وأحيانا خضراء فاتحة على خلفية سوداء. ولا يستخدم الذهب في عملية الطلاء نهائيا بل يستخدم مسحوق القصدير الفضي اللون أو مسحوق الألمنيوم.
تبدأ عملية الإنتاج باختيار قطعة الخشب الملائمة حيث ترسم عليها الخطوط الأولية للشكل المطلوب صنعه، كانت عملية الجلخ الداخلي والخارجي تتم سابقاً بواسطة السكين ومن ثم بواسطة ماكنات جلخ تعمل بالماء. أما الآن فالعملية تتم باستخدام ماكنات الجلخ الكهربائية مباشرة. بعد الانتهاء من العملية الأولى يتم تجفيف القطعة إلى درجة رطوبة معينة ومن ثم يتم طليها بمحلول من الطين النقي ثم تجفف لمدة تقارب الـ 8 ساعات وتطلى بعدة طبقات من زيت الكتان بشكلٍ متساوٍ على كافة أجزاء القطعة وبعد آخر طبقة من زيت الكتان يتم تجفيفها إلى درجة لزوجة معينة. بعد أن تتم هذه العملية يرش مسحوق القصدير أو الألمنيوم بعد الانتهاء من العملية يصبح لون القطعة أبيض ساطع وتكون جاهزة لزخرفتها وطليها بالألوان الزيتية الزاهية الحمراء أو السوداء واحيانا البنية مصنوعة من ذيل السنجاب التي تسمح برسم خطوط رفيعة جدا. بعد أن تكتمل عملية الرسم تطلى القطعة من أربع إلى خمس مرات بالورنيش مع تجفيفها بعد كل دورة طلاء وأخيرا توضع القطعة في فرن درجة حرارته 150 إلى 160 درجة مئوية لمدة 3ـ4 ساعات إلى أن تظهر طبقة دهنية ذهبية اللون على سطحها عندها تكون العملية الإنتاجية قد انتهت. ترسم على أواني كالمربع والمعين التي تزين بأوراق النباتات والثمار والزهور وغير ذلك من الأشياء وتعتبر الخوخلوما من الحرف الفريدة ليس فقط في روسيا بل وفي العالم ايضاً، لأنها تتميز بفن رفيع ومرتبطة بتطور أكثر الحرف الفنية الشعبية انتشارا.
إن تكنولوجيا تلوين القطع الخشبية المصنوعة بلون الذهب دون استخدام الذهب لا تستخدم في غير روسيا وتعد خوخلوما علامة من علامات الثقافة الروسية التي تعطي شعورا بالدفئ وراحة النفس.
إن فن الخوخلوما القديم ما زال قائما حتى أيامنا الحالية وتمكن الفنانون من انتاج أشكال جديدة إلى جانب الأشكال القديمة ومن الشمال التي تنتج الكؤوس والأقدام والصحون والخزائن الصغيرة والملاعق والمناضد وغير ذلك.
صواني جوستوفو المزخرفة:
بلدة جوستوفو هي بلدة تقع في ضواحي موسكو اشتهر سكانها بفن الرسم على الصواني المعدنية. وبفضل ريشة هؤلاء تصبح الصواني المعدنية تحفاً فنية رائعة.
افتتحت في بداية القرن الـ 19 في هذه البلدة أول ورشة لانتاج مصنوعات من الورق المقطع والمعجون مع مواد لاصقة، لقد كان هذا الحجر الأساس للحرفة الفنية الشعبية لرسم وتزيين الصواني المعدنية. كانت الصواني تصنع في البداية من الورق والكرتون المعجون مع المواد اللاصقة ومن ثم ترسم عليها نقوش بألوان وأشكال مختلفة كما كانت تصنع من العجينة المذكورة العلب ذات الاستخدامات المختلفة وكانت هذه العلب تزين برسوم وأشكال متنوعة على خلفية سوداء.
اشتهرت مدينة تاغيل السفلى منذ القرن الثامن عشر بصناعة الصواني المعدنية التي بدأ الحرفيون باستخدامها بعملهم الإنتاجي في ثلاثينات القرن التاسع عشر. وكان حرفيو تاغيل يلونون هذه الصواني ويرسمون مختلف النباتات كما كان متبعا في منطقة الأورال. والمركز الثاني الذي كان مشهورا آنذاك بهذه الحرف هي مدينة بطرسبورغ، حيث كانت تنتج الصواني بأشكال مختلفة وتزين برسوم زهور وثمار وطيور وغير ذلك.
أخذ حرفيو جوستوفو من المدرستين المذكورتين ما اعجبهم وشكلوا طرازاً خاصا بهم. ازداد الطلب على الصواني المعدنية المزخرفة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر حيث استخدمت بكثرة في المنازل والمطاعم والفنادق كقواعد توضع عليها السماورات أو تستخدم لتقديم الطعام والشراب للزينة. وظهرت محلات لبيع الصواني في موسكو وبطرسبورغ وغيرها من المدن. ويحتفظ المتحف الروسي بمجموعة صغيرة من هذه الصواني المصنوعة في أوقات زمنية مختلفة، حيث يوجد على كل صينية قديمة شعار الورشة التي صنعتها ومن هذا الشعار يمكن معرفة اسم صانعها.
خصوصية الرسم على صواني جوستوفو تتمثل في أنه يتم الرسم على خلفية سوداء وفي بعض الأحيان على خلفية حمراء أو زرقاء غامقة أو خضراء أو فضية، ويعمل الرسام على رسم مجموعة صواني في نفس الوقت والرسوم عبارة عن زهور كبيرة مختلفة تجاورها زهور برية صغيرة وأوراق النباتات. والصواني تكون إما مستطيلة أو بيضوية أو ثمانية الأضلاع أو دائرية تستخدم لإنتاج هذه الصواني صفائح الفولاذ الرقيقة حيث تدخل الصفيحة عملية تشكيل القالب ثم الدلفنة وبعد هاتين العمليتين تطلى الصينية بطبقة أساسية ثم تصقل جيدا بعد جفافها وتطلى بعدة طبقات بالورنيش الأسود مع تجفيفها بعد كل طبقة في الفرن، بعد ذلك يبدأ الرسام برسم الصينية كما يشاء باستخدام الألوان الزيتية الزاهية، وتتم الزخرفة المذهبة باستخدام مسحوق الذهب مخلوطا مع ورنيش شفاف أو مع زيت التربنتين أو باستخدام لون أبيض زيتي ويرش عليها مسحوق الألمنيوم.
بعد أن تنتهي عملية الرسم تطلى الصينية بثلاث طبقات من الورنيش الشفاف مع تجفيفها في الفرن بعد كل طبقة وتصقل يدويا إلى أن تسطع كالمرآة إضافة إلى الرسوم التقليدية كباقات الزهور يمكن أن ترسم الصواني بصور للطيور والحيوانات الأليفة والبرية.
تحف غجيل الخزفية:
تقع على بعد 60 كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من العاصمة موسكو أكثر من 20 قرية اندمجت مع بعضها واشتهرت بالصناعات الخزفية، إحدى هذه القرى تسمى غجيل، من هنا جاءت تسمية التحف الخزفية الجميلة.
جاء ذكر خزف غجيل لأول مرة في المدونات التاريخية عام 1339 في وصية الأمير ايفان كاليتا ومنذ ذلك الحين بدأت ملكيتها تنتقل وراثياً بين الأمراء والقياصرة حيث كانت تجلب لهم أرباحا غير قليلة .
كان أهالي منطقة غجيل يأتون إلى موسكو وهم يحملون الصلصال لبيعه إلى خزفييها وكان بعضهم يستقر للعمل في موسكو.
في نهاية القرن الـ 18 أصبحت غجيل مركزا رئيسيا لإنتاج المايوليكا الفنية في روسيا .
المايوليكا: مصنوعات من الخزف مطلية بالمينا غير الشفافة يرسم عليها بألوان مقاومة للنار،
تعلم أهالي غيجيل أسرار هذه الصناعة وبعد عودتهم إلى موطنهم كانوا يعملون في ورشات بدائية وبدأوا باستخدام الطين الأبيض الكاولين وغيره من أنواع الطين الغنية بها منطقتهم. وبدأت تتضح رؤية العالمين في هذا القطاع للوسط المحيط وكانت الأواني المنزلية المنتجة وكذلك المصنوعات الأخرى تتم حسب طلب المشتري.
في أواسط القرن الـ 18 تطورت الصناعات الخزفية في روسيا كثيرا وبقيت منتجات غجيل تحت الطلب دائما وشهدت نهاية القرن الـ18 ازدهار صناعة المايوليكا حيث تمكن الحرفيون من انتاج الأباريق والجرار مختلفة الأشكال والأحجام وكان هذا العمل يتطلب التأني والدقة، لأن النقوش كانت ترسم على الطين الطري والمطلي بطبقة من المينا البيضاء قبل عملية الحرق بعد ذلك أصبحت المنتجات الخزفية تنتج على مرحلتين الأولى تتضمن عملية التشكيل والطلاء بالمينا البيضاء والحرق ثم تليها عملية الكوبالت الأزرق مما سهل عملية الإنتاج وزيادته والتقليل من التلف الناتج حسب الطريقة السابقة.
أصبحت هذه الطريقة الفنية ظاهرة مهمة بالخزف الأبيض وشهد الربع الثاني من القرن الـ19 ازدهارا وتطورا في هذه الصناعة وسعى الحرفيون إلى تحسين الخلطة البيضاء المستخدمة في الإنتاج وباشروا بإنتاج أواني خزفية رقيقة وكان هذا دليل على مهارة الصناع وأصبحت منتجات غيجيل الأفضل في روسيا وبدأ تصديرها إلى آسيا الوسطى وبلدان الشرق الأوسط مع الأخذ بنظر الاعتبار أذواق وعادات وتقاليد شعوب هذه الدول.
اضافةتعليق
التعليقات