جوٌ غائم، زرقة السماء تتماوج، أرضٌ ندية، جلسوا على ساحل البحر متفرقين. كلٌ يُطيل النظر بمعاناته ساخطًا على مالديه، يبحث عمّا يسد جوع روحه.. خواءٌ داخلي، رغم كُل عطايا السماء لكنهم غفلوا عن النعم التي حُفوا بها، ولم يعوا لما حباهم اللطيف به..
شدَّ إزرهم ببعض، قرَّب القلوب، أوصى بعضهم ببعض فسار الحبيب المصطفى يدعوهم ينثر المحبة هنا وهناك، يشفي الأرواح، ينثر عبيره في الأرجاء..
تعالوا هلمّوا معي لترتقي أرواحكم بالمحبةِ والإخاء.. أنتم يا معشر الأنصار ويا معشر المهاجرين هاجروا بروحكم نحو أسمى المعاني، نحو الجمال والنقاء، فهذه الدنيا ماهي إلا رحلة تمضون بها معاً حتى تصلوا نهاية الطريق الذي تسلكوه باختياركم.. فلا تتشتتوا كثيرًا وتبتعدوا فقد جئت لأدلَكم وأهديكم سُبل الخير..
رسول الرحمة العطوف الكريم جاء بالخير وكل جميل منذ أن ولد على الأرض وحتى رحل عنها..
بلّغ رسالة السماء، طبقها وأكد عليها ببداية قيامه بالدعوة، وأشار لأهمية ما دعاهم إليه خالقهم وهو التآخي وحسن المعاشرة.. قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة". سورة الحجرات. وقال تعالى: "فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا" سورة آل عمران.
فآخى حبيب الله الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة بين المهاجرين وآخى بعد الهجرة بين المهاجرين والأنصار.
بيّن حقوق الأخوة وعظيم هذه المنزلة التي أشار إليها القرآن الكريم، ولعظم هذه المكانة التي يغفل عنها الكثير ويستهينون بمنزلة الأخوة ويقللون منها، اتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب الذي هو أقرب شخص له، وأحب الخلق إليه، جعله أخاً له وخصه بما لم يخص به غيره. إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: نادى المنادي يوم القيامة: يا محمد نعم الأب أبوك، وإبراهيم، ونعم الأخ عليّ عليه السلام.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "عليّ أخي في الدنيا والآخرة".
وقال: "عليّ أحب خلق الله إلى الله ورسوله".
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "عليّ مني بمنزلة هارون من موسى".[1]
فهكذا النبي موسى عليه السلام طلب مؤازرة أخيه وأن يكون إلى جانبه. "وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي...".
هذه هي الأخوة التي استهان بها الكثير وضيعوا حق الأخوة، فأصابهم العجز كما يشير لذلك أمير البلاغة مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام: "أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم" نهج البلاغة.
إذ حصروا علاقاتهم بحب زائل ومصالح منتهية فتباعدت النفوس ومرضت الأرواح..
ولو عادوا لما دُعوا إليه لزالت الكثير من متاعبهم وهمومهم، فالأخوة مكانة ومنزلة هي عنده تعالى عظيمة وترتب عليها حقوق تضمن الخير لهم، فمن حقوق الأخوة أن تحفظ أخاك في الغيب ولا تذكره بسوء، وأن تحب له ما تحب لنفسك، وأن تبره وتواصله بالخير، وأن تقضي حاجته، وتعينه على مصاعب الحياة..
وقد خصص الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في رسالته للحقوق جزءًا خاصاً بحق الأخ.
فهكذا عترة رسول الله ساروا بما سار به وأكدوا على ما جاء به نبي الرحمة سيد الخلق ومنقذها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
لنمضي بالتآخي والمحبة كما جاء بها منقذ الأمة ومنجيها وهاديها لننعم بقربه ومحبته.
اضافةتعليق
التعليقات