إن من وصايا أمير البلاغة لابنه الحسن عليه السلام:
(أحيّ قلبك بالموعظة، وأمتهُ بالزهادة، وقوّه باليقين، ونوَّره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء).
الإنسان بطبعه اجتماعي يتفاعل مع محيطه، ويمكن أن يتأثر به سلباً أو إيجاباً، والموعظة الحسنة تشكّل عاملاً خارجياً يأخذ بيد الإنسان ليساعده على تخطي فتن الدنيا وزخارفها وشبهاتها، وتتأكد ضرورتها عند غفلة الإنسان وخمود أو خمول الواعظ الداخلي فيه، حيث يصبح لها الدور الأساسي في النجاة من النار. وقد أكّد القرآن الكريم على أسلوب الموعظة فقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل/ 125).
إنّ الموعظة تؤثر أثرها في المؤمن بشكل خاص، لأنّه يستحضر الالتزام الشرعي في أموره، وقد تغيب عنه بعض التفاصيل، أو يدفعه هواه بالاتجاه الخاطئ، فيكون دورها دور المنبه للضمير المذكر بالمسؤولية الشرعية والرقابة الإلهية.
(وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء) فإن القلب جموح، فإن ذكر الموت ذل وتواضع واطلب منه الإقرار بالفناء والموت.
فالموت يحيط بنا من جميع الجهات خاصة ونحن نعاصر جائحة كورنا منذ سنتين فلابد لنا أن نتعظ من هذا الموت الذي يسكن بيننا ويحضر في أيامنا فهو وسيلة تربوية لتهذيب النفس وتقويمها والزهد في هذه الدنيا فإن الزهد يهون من حدة المصائب واليقين بأن الله هو المدبر لكل أمور الإنسان ويريد الأفضل للإنسان لذا لابد من التوكل فالتوكل ثمرةُ اليقين ونتيجتُه.
ولهذا حسُن اقتران الهدى به، فأحد تعاريف اليقين: هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعملُ القوم إنما كان عليه وإشاراتُهم كلُّها إليه، وإذا تزوَّج الصبر باليقين وُلد بينهما حصول الأمانة في الدين.
وعن علي بن الحسين صلوات الله عليهما: الزهد عشرة أجزاء، أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضاء.
دل على أن الرضاء فوق اليقين، واليقين فوق الورع، والورع فوق الزهد وجه الترتيب أن الدنيا رأس كل خطيئة فلابد للسالك من الزهد فيما أو لا، ثم بعد الزهد يسهل له ترك المعصية لأن المعصية كلها عايدة إلى الدنيا فيحصل له مرتبة الورع.
فإذا حصلت له هذه المرتبة قرب من الحق فيحصل له مرتبة عين اليقين أو حق اليقين، واليقين يوجب المحبة فيحصل له الرضاء لأن الرضاء لازم للمحبة وتابع له وعلى أن لكل واحد منها عشرة أجزاء كل جزء يصدق عليه اسم الكل، فكل جزء من الزهد مثلا زهد فله أفراد متفاوتة والظاهر أن كل جزء فوقاني مشتمل على جزء تحتاني مع زيادة فعلى هذا الجزء العاشر من الزهد.
اضافةتعليق
التعليقات