العلاقات الزوجية والأسرية والاجتماعية هي علاقات تفاعلية تتم بين أفراد ومجموعات، فعندما يصدر الخطأ من شخص معين، ويسعى هو بدوره للاعتذار من الآخر، فإن الموقف لا يكتمل بإيجابية إلا عندما يكون الطرف الآخر لديه استعداداً لتجاوز المشكلة، وقبول الاعتذار، وتصبح عندئذ المسؤولية الأخلاقية مشتركة بين مرتكب الخطأ ومن أُخطئ بحقه، وعلى الثاني أن يكون إيجابياً في التعاطي وقبول عذر المعتذر.
ومن هنا تحث التعاليم والوصايا الدينية على قبول عذر المعتذر، والصفح عنه والتجاوز عن أخطائه، بل وتحث على التماس والعذر له، وإن لم يكن له عذراً.. يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "اقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً". (ميزان الحكمة/ ٦/١١٢)، بل وتذهب التعاليم الدينية أبعد من ذلك في الترغيب على قبول الاعتذار وإن كان صاحبه كاذباً في اعتذاره وغير صادق...
وقد ورد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) قوله: "لا يعتذر إليك أحدُ إلاّ قبلت عذره، وإن علمت أنه كاذب"، (ميزان الحكمة/ ٦/١١١)، إذ ربما ينفع معه التسامح والعفو ويستطيع فيما بعد التغلب على نفسه وزجرها عن الوقوع في الأخطاء، وتجاوز حقوق الآخرين ولو من باب الحياء والخجل من تلك المعاملة الإيجابية واليد الممدودة، والقلب الأبيض.. فبعض الناس يأسرهم التعامل الطيب، والرد الإيجابي، وقبول العذر والصفح، ويمنعهم من تكرار الإساءة ويدفعهم لمعاودة الاعتذار من الآخرين.
ومن المؤكد أن قبول عذر الآخر دليل عقل وحكمة ومن صنائع المعروف، فإن العاقل يتعالى على جراحاته، ويتسامى على همومه، ويمد يده للآخرين، ويعذرهم بصدر رحب، وأخلاق فاضلة، وصبر لا حدود له، فيزيد احترامه عند الآخرين، ويرتفع رصيده الأخلاقي، ويعلو شأنه اجتماعياً، فيصبح في العرف الاجتماعي صانعاً للمعروف، يعرف بنبله وكرمه وعطائه النفسي، وبهذه المكرمات يسود المرء ويعلو شأنه، فليس الكرم محصور في المال، بل إن كرم النفس عظيم، ألم ترى كيف أن الخالق (عز وجل) ذمَّ شحَّ الأنفس بقوله عز من القائل: "وأحضرت الأنفس الشح".
ومن هنا تمد التعاليم الدينية الذين يقبلون معذرة الآخرين، وتعتبر ذلك من علامات العدل والحكمة كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام): "المعذرة دليل العقل" (ميزان الحكمة/٦/١١٥).
اضافةتعليق
التعليقات