إن حياة الامام الثاني الحسن بن علي (عليهم السلام)، غنية بالكثير من الأحداث والتغيرات التاريخية المهمة التي كانت نقطة حاسمة في تاريخ الأمة الإسلامية تحكمت في تحديد مصيرها لقرون عدة. ولكن عمد المؤرخون على تغيبها بل على العكس شوهت بعض تلك الحقائق وظهرت للعلن بالصورة الخاطئة.
فعند الخوض في تفاصيل حياة الامام المجتبى نجدها مليئة بالهيبة والوقار وتميزت شخصيته (عليه السلام) بالحلم والسماحة والجود والكرم حتى سُمي بكريم أهل البيت لكثرة سخائه وكرمه وعطائه، واهتمامه بالفقراء والمحتاجين والمعوزين.
وبحسب الروايات كان المجتبى (ع) يمتلك هيبة الانبياء (ع) وبهاء المتقين فكان يملئ عيون الناظرين اليه وتنحني الجباه خضوعا له فكيف لا يكون ذلك وهو من سلالة بيت النبوة امه البتول ووالده امير المؤمنين ابن عم الرسول ويكفي ان جده النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، خاصة ان الحسن (ع) قضى فترة طفولته في كنف جده رسول الله (ص) وقد علمه الرسول من تعاليم الدين ورباه على اخلاق المؤمنين فبنيت شخصيته بناء يتناسب مع المهام الجسام التي تؤهله للاضطلاع بهداية الامة.
وبعد وفاة جده (ص) ترعرع في صباه مع والدة الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) حتى بلغ مبلغ الرجال وكانت نشأته نشأت الاولياء والانبياء فقد كان يمتلك عليه السلام في شبابه حلقة مستقلة لتعليم القران في المسجد النبوي الشريف.
كيف لشخص مثل الامام الحسن المجتبى الذي نشأ هذه النشأة المشرفة ان يتهم بأنه اذل المؤمنين؟؟
ان الامام الحسن لم يتعرض لمظلومية ولكن هذا حال الحق فمن المعيب ان نقول على امامنا انه ظلم فشاء القدر الالهي ان يكون الامام الحسن هو الحق الذي يخاف ان ينطقه كل لسان لذا لم يجد اعداءه وسيلة للوقوف امامه سوى التشويه. فقد تعرض الامام الى هجمة كبيرة بعد ان قبل مبايعة معاوية بن يزيد حتى ان أن بعض أقرب الناس إليه لم يستوعبوا ما قام به الإمام الحسن من صلح مع معاوية، وعاتبوه بل وتلفظوا عليه بما لا يليق! ومنهم سفيان بن أبي ليلى يقول له: السلام عليك يا مذل المؤمنين! بحسب ما نقل من موقع الكوثر.
ومن هنا بدأت ثورة التشكيك ضد الحق، ان نهج الامام الحسن مشابه لنهج الامام الحسين (عليهما السلام) ولا يوجد فارق لكون هدفهما واحد منطلق حول اعلاء راية الاسلام وتثبيت نهج الرسول الذي بات بعد وفاته (ص) يخف ومحاولات التحريف كانت مستمرة حول جعل الدين على اهواء بني امية وحسب منظورهم.
دائما المشككين يتسألون حول: لماذا الامام الحسن عليه السلام بايع معاوية بينما الامام الحسين عليه السلام اقام الثورة على الظلم؟
ما لا نعلمه ان ثورة الامام الحسين ابتدأت منذ زمن الامام الحسن عليه السلام وكان الامام المجتبى هو المؤسس لثورة الامام الحسين، وذلك من خلال السرد التاريخي لحياة الامام الحسن المجتبى الذي يدل على ذلك. ان مبايعة الامام الى معاوية كانت نقطة فاصلة لبيان جذور الاسلام واعلاء رايته فذاق الامام المرارة وتجرع الغصص كل ذلك من اجل الاسلام. فلو اجزم الامام العزم على حرب معاوية فستكون معركة خسرانه من جميع الاتجاهات، العسكرية والمعنوية.
ان حدوث الحرب كان سيؤثر على الدين الاسلامي لان السبب الاساسي للحرب سيختلف من حرب الحق على الباطل الى حرب قيادات على العرش وكرسي القيادة ولان الامام اكبر من هذا الشيء تنازل الى معاوية لكي يعطي نقطة ان اهل بيت النبوة هم اصل تبليغ الرسالة واتمامها بعد النبي.
ايضا ستكون الحرب خسرانة عسكريا بسبب تعرض الامام الى غدر القيادات الكبيرة الذين من المؤمل الاعتماد عليهم قد أبهرهم عطاء معاوية اللامحدود لأصحابه والمحيطين به. وتآمر معاوية مع بعض زعماء العرب الذين وعدوا الامام ان يكونوا الى جانبه في الحرب على تسليم الإمام الحسن اليه فقد اغرتهم العطايا الوفيرة من معاوية. لذا عقد الامام (ع) مع معاوية صلحاً وضع هو شروطه بغية أن يحافظ على شيعة أبيه وترك المسلمين يكتشفون معاوية بأنفسهم ليتسنى للحسين (ع) فيما بعد كشف الغطاء عن بني أمية وتقويض دعائم ملكهم. اذن هذه الجذور الاولية لثورة الحق الحسينية.
فقد فضح الامام عليه السلام بني امية من خلال وضع بنود الصلح التي لم يلتزم بها معاوية ما جعل الناس يتعرفون على ظلم بني امية اكثر، فبعد الصلح الذي ابرم ادخل معاوية جيوشه الى الكوفة وأثارت في نفوس أهلها الهلع والخوف. وبينت نوايا معاوية الاجرامية.
بعد الاذية والخذلان التي نالها اهل الكوفة من حكم معاوية ذهبوا للاستغاثة بالإمام الحسن (ع) الذي انتقل بعد معاهدة الصلح مع يزيد الى مدينة جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فذهبوا ليشتكوا له ظلم معاوية ويبدون ندمهم على غدرهم له.
هنا كانت حرب الامام الحسن حرب الكلمة رد الصاع صاعين الى بني امية فهم حاربوه ببث الاشاعات المزيفة وهو رد عليهم من خلال عقده لحلقات دينية فكرية واجتماعية في المدينة المنورة يفضح من خلالها المخطط الاموي الذي يهدف الى تصفية مواليين الامام علي عليه الاسلام وتحريف الدين الاسلامي. وبحسب المصادر فان خطب الامام واحاديثه بدى لها اثر كبير في نفوس الناس وخاصة انه كان يمهد بأحاديثه الى ثورة الامام الحسين عليه السلام التي سيكملها بالسيف بعد ان بدأت بالكلمة.
الامر الذي ازعج معاوية بن يزيد وقرر التخلص من الامام الحسن لأنه سيقف حاجز امام مخططه الخبيث في تتويج ابنه يزيد خليفة من بعده لذا قرر قتله على يد جعدة بنت الاشعث وان لم يكن الامام محط خطر على معاوية خاصة بعد مبايعته له فلم يقتله؟.
من هنا يتبين ان الامام الحسن هو الذي بدأ طريق ثورة الامام الحسين عليه السلام واتمها ابا عبدالله بمعركة الطف التي انتصر بها الحق على الباطل ورفعت راية الاسلام عالية فسلام عليهم يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون احياء.
اضافةتعليق
التعليقات