إذا أردتَ أن تحيا كريماً اقرع باب الكريم واترك أبواب الخَلق، اقترب من القيم والمبادئ والأفكار وابتعد عن الأشكال والأسماء والألقاب، اربط نجاحك وسعادتك بعملك وإيمانك لا بعلاقاتك مع الفانين.
لَقِيَ أمير المؤمنين عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ دَهَاقِينُ الْأَنْبَارِ فَتَرَجَّلُوا لَهُ وَ اشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ (علیه السلام): "مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟
فَقَالُوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا.
فَقَال (علیه السلام): وَ اللَّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ، وَ إِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَ تَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ؛ وَ مَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَ أَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الْأَمَانُ مِنَ النَّار".
حكمة من حكم المولى علي عليه السلام تختصر صحائفا تشرح صفحاتها أزمة ثقافة القطيع وآفة رسوم الجاهلية وصناعة الطواغيت وأخيرا كيفية حصد الخيبات بأيدينا، كل هذا في بضع كلمات.
يشير الإمام هنا إلى وجود عادات تستشري في مجتمعنا وماهي إلا من بدع الجاهلية التي لا تمت للإسلام بصلة، الجميل في أحاديث الأمير هو الأسلوب الذي ينتهجه عندما يرى مالا يصح أن يكون، لم يجزر الإمام هؤلاء الرجال مباشرةً، وكان يعلم علم اليقين سبب نزول الأشخاص عن خيولهم مشاةً وإسراعهم إلى استقبال زعماء القرية الذين لقوهم في الطريق، كان يعرف أنّ هذا رسم اعتادوا أن يقومون به لتبجيل الشخصيات البارزة، لكنه ارتأى أن يسألهم أولاً، ليبين لهم خطأ عملهم بطريقة جميلة.
ثم يبيّن الامام وبفلسفة عميقة سبب اشكالية هذا الفعل، فهذا التوقير المبالغ به من قبل الرجال لهؤلاء الأمراء لا ينفع الطرفين، بل فيه مشقّة الدنيا والآخرة، وهؤلاء يشترون المشقّة ومن ورائها الغضب الإلهي في حين كانوا يستطيعون كسب السكينة المقرونة برضا المعبود.
فلمَ ياترى قد شدّد الإمام على ترك هذه العادة، ونبّهنا عليها؟
قد نستنبط عدة أسباب وراء ذلك ومنها:
1_ الخضوع يكون لله فقط، وقد يقع الإنسان في الشرك الخفي من حيث لا يعلم ببعض الأفعال ومنها تعظيم المخلوقين من أجل بعض المصالح والغايات.
2_ "المؤمن أعظم حرمة من الكعبة"، والفكر الإسلامي يدعو لاحترام الذات ولا يرضى للانسان بالذل وبكل مايمكن أن يحط من شأنه.
3_ على الإنسان أن يكون حرّاً أبيّاً وعاقلاً، يزن الأمور ولا يقلّد الآخرين تقليداً أعمى، ولا يرث عن آبائه كل عادة وظاهرة، بل يرفض ولا يسكت عنها إن مرّ بها وله في موقف الإمام قدوة حسنة.
4_ وراء ستار المجاملات تعب ومشقة، نفسيا وجسديا وفكريا، وديننا دين يسر وإلهنا رب رحيم يرضى بالعمل القليل المنسوجة خيوطه بالصدق والإخلاص.
5_ هذه الأفعال تساهم في صنع غرور وجبروت وفساد الرؤساء وتمرّد الشخصيات الظالمة وترسّخ التمايز والطبقية، والحاكم هو من عليه أن يخدم الرعية لا العكس لأن هذه مهمته ووظيفته، والأجدى على الإنسان أن يعدل ويساوي تعامله مع كل الناس، فالتقوى هي المعيار والمقياس وليس المكانة الدنيوية، وبالطبع هذا لا ينافي أهمية التواضع والإحترام لكل من كان له فضل علينا؛ تربويا وعلميا وفي كل المجالات، ولهذه الآداب مكانها وأوقاتها وأشخاصها ومراعاتها يكون من باب الواجب والمروءة.
هذا هو المنهج العلوي الذي يوضح كيفية التعامل مع الأشخاص بطريقة صحيحة تليق بكرامة الإنسان، وتدعو لإشغال عقله والتمييز بين الصح والخطأ الذي يكون جزاءهما من جنسهما وهو الربح أو العقاب.
اضافةتعليق
التعليقات