هل جربت يوما إحساس أن تقف في طابور طويل وعندما يصل دورك تعرف بأنك وقفت في الطابور الخطأ؟، وبأن الشيء الذي أردته لا يوفره هذا المكان؟
ماذا لو وقفت في طابور طويل آخر وصرفت سنوات طويلة من عمرك ثم وصل دورك وانصدمت بأنك كنت تنتظر شيئا وما قُدم لك شيئا آخر!
إنه ليس طابور خبز أبيض تنتظر فيه خمسة إلى عشرة دقائق إنها سنوات طويلة من التعب والشقاء من التحمل والإرادة، من الانتظار والأمل، كيف يا ترى ستكون الصدمة حينئذٍ، وأنت صرفت شبابك وأجمل أيام عمرك في انتظار شيء آخر لا يمت بما تريده بصلة..
ماذا لو سألت واستفسرت واستشرت من وقفوا في الطابور قبلك وعرفت منهم بأن هذا المخبز يقدم خبزا أبيضا أم أسمر؟
لوفرت على نفسك الكثير وربحت عناء الانتظار وعرفت مصيرك وهلمّت إلى التغيير دون أن تضيع جهدك ووقتك في شيء غير مبتغاك.
وذات الشيء في طابور الحياة، قبل أن تقف في طابور الزواج أو الإنجاب أو الوظيفة أو العمل والشراكة حاول أن تستفسر جيدا وتعرف ما يقدمه لك هذا المشروع، وما هي سلبياته وإيجابياته ولا تغامر وتقف في طابور مجهول دون أن تعرف التفاصيل من أصحاب الخبرة وتتأكد جيدا من دهاليزه، ولا تترك الأمر على معلومات هواك ومخيلتك.
فمثلا لو وقفت في طابور الزواج وصورت لنفسك حياةً وردية وحباً أبدياً لا ينتهي وهدايا وعطور وشكولا وأيام مليئة بالغرام وتخيلت أن تعيش مع شريك حياتك كروميو وجوليت ثم وصل دورك في الطابور وتفاجأت بأن الزواج ليس كما خيل لك، اكتشفت بأن هذا الطابور يقدم لك الاستقرار والمسؤولية يقدم لك أياما مرة وأياما حلوة، يقدم لك شريكا متنوع الأطباع ومختلف الشخصية عنك!
وهنا تبدأ الصدمة بأخذ منحاها في تفاصيل وجودك فتندب الأيام والسنوات التي قضيتها تحوك لنفسك أحلاما وردية عن الزواج دون أن ترى الجانب الآخر منه، فالواقع شيء ومعرفتك التي كسبتها عن الزواج من الأفلام والروايات شيئ آخر.
وهنا كان يستلزم منك السؤال والاستفسار من أصحاب التجربة ومن هم أقدم منك في هذا المشروع وعرفت تفاصيل الزواج وما لك وما عليك وماذا يقدمه لك الزواج وماذا يجب أن تقدم أنت للزواج، فحتى طابور الخبز الذي تقف فيه يوجب عليك أن تدفع المال مقابل الخبز الذي تأخذه فكيف بالزواج؟
كم يحتاج أن تقدم من التضحيات والصبر وتقبل ال’خر حتى تكسب حياة مستقرة وعائلة سعيدة؟
كذلك الأمر مع العمل والدراسة وأية مشاريع أخرى في حياة الانسان، لو أنه دقق ودرس تفاصيل ما يقوم به لوفر على نفسه خسائر كبيرة سواء مادية أو معنوية، وللأسف هنالك بعض الطوابير لا عودة فيها ولا انسحاب، حتى وإن تأكدت في نهاية الطريق بأن ما يقدم في هذا الطابور هو سم أفعى، رغما عن أنفك يجب أن تنتظر إلى النهاية وتكمل الطريق وتتجرع السم الذي دفعت مقابله سنوات عمرك واهمالك وتقصيرك في السؤال والاستشارة.
إذن كن أذكى من ذلك، وحاول أن ترتب أولوياتك وتثمن الوقت الذي ستقضيه هنا وهناك، ووفر عنك عناء العودة والتراجع من خلال الدراسة العميقة والاستشارة الحكيمة، بتوصية وتأكيد المولى عليه السلام: (ما ضلّ من استشار).
اضافةتعليق
التعليقات