عادةً نَحنُ نُهدي مَن نحب، مَن لهُ فضلٌ علينا، مَن يعيش مناسبةً خاصةً جميلةً، ومن نَصلهُ ونتقربُ إليه، وهذا مستوى طيب ولكنهُ طبيعي في النفسِ البشرية، قد لا يحتاجُ إلى تنبيهٍ أو تذكير للقيام به.
إذ إنَ نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) يؤكد على عدمِ تركِ هذه السنة لما لها من أثرٍ نفسي في المتلقي، وفي المُعطي أيضا، إن عَرفنا الآثار الباطنية وليس فقط الظاهرية، فسَتَطيبُ نية الإهداء وسنرى آثارها جليةً أكثر في علاقاتنا، كما في قوله (صلى الله عليه وآله): [الهديةُ تورثُ المودة، وتُجَدر الأخوة، وتُذهبُ الضغينة، تهادوا تحابوا](١).
فهي ضرورية من ناحيةِ ترسيخِ المودة في قلوبِ بعضنا البعض، وتحيطُ روابطُ الأخوة هذه فتصونها وتحفظها من الانقطاعِ أو الضعف، بل وتُذهبُ حالة التثاقل والبلادة في علاقاتنا فتجعلها متجددة، ذات حياة دائمة.
كما إنَ هذهِ الآثار -غالباً- لا تأتي من حجم الهدية أو غلاءِ ثمنها، بل تأتي من صدقِ نية المُعطي، واللحظةُ الأنسب التي نختارها لتقديمها، وإن كانت هديةً ماديةً بسيطةً، متواضعةً، رمزية، كيف إذا كانت من صنعنا نحن؟ فهذا ما يَجلبُ المحبة أكثر، فأن تقضي وقتاً وتبذل جهداً في صنعِ شيء لأحدهم هذا يوصلُ لهُ رسالةً مفادها "إنك تستحقُ أن أعطيكَ أثمنَ ما عندي وهو وقتي وجهدي وطاقتي" والنفسُ البشرية تأنسُ وتُحِبُ أن تشعر أنها مهمةٌ ولها خصوصية وأهمية عند الآخرين.
أما قوله (صلى الله عليه وآله): [تهادوا، فإن الهديةَ تَسل السخائم، وتجلي ضغائن العداوة والأحقاد] (١)، هنا -كما يبدو – يدور الحديث عن فعل الإهداء لمن بيننا وبينهُ خصومات، اختلافات، مَظلمة بل حتى الأحقاد والعداوة! وهذا يحتاجُ إلى نفسٍ عالية وصدر رحب وواسع ليبادرَ بفعلِ ذلك.
قد يتردد أحدنا في أن يَهدي لمن بينهما خصومات أو عداوات، أو يَخافُ من ردةِ فعله كرفضها مثلاً، لذا الهدايا المعنوية ابتداءً نافعةٌ هنا، إذ إنَ الهدايا ليست بالضرورة أن تكون أشياء مادية، فقد تكون هدايا معنوية وخاصة في مثل هذه المواطن.
فأن نهدي من لا يَميلُ إليهِ قلبنا (دعاء، ركعتان، تلاوة بعض آيات القرآن، استغفار أو ذكر للرحمن) بصدقِ نية وتوجه، فهذا له من الأثر العظيم علينا نفسياً -ما لا يعلمه إلا الله تعالى- فإننا سنعيش حالة العفو والمسامحة للطرفِ الآخر فيما بيننا وبين الله تعالى، ونُخلِص قلوبنا من ثقل الحقد والعداوة الذي قد نَحمله تجاه ذلك الشخص.
وبالمقابل فإن تأليف القلوب هو بيد الله تعالى الذي قال في محكم كتابه: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(الانفال:63)، فتعالى أكرم من أن لا يجازينا على نيتنا الصادقة في أن تُعاد تلك العلاقات لتكون مبنية على التآلف والمحبة لا النفور والخصومة، فيُلين الله تعالى القلوب، ويصلح الأمور بيننا، فهذا وعد إلهي كما في قوله تعالى: {إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء:35)، فهذه قاعدة لا تنطبق في العلاقات الزوجية المضطربة فقط لتستقر من جديد بل في كل العلاقات الإنسانية، وهي خاضعة للعمل لا التجربة، فلنتهادى لإفشاء المحبة بين بعضنا البعض، امتثالاً لوصايا نبينا وطلباً للقرب منه.
________
اضافةتعليق
التعليقات