كل شيء كان غائما بالنسبة لي، وصلت إلى نهاية المطاف ووضعت ماء وجهي بين يدي من أجل بعض الوريقات النقدية التي أحتاجها لظرفي الطارئ، أصابني الغثيان بعدما درت مئات المرات في دولاب تفكيري، (من أين سآتي بالمال)؟
بقيت ساعات أبحلق في الساعة المعطلة على الجدار، لماذا لم أفكر في تصليحها من قبل؟ ربما لأن الوقت الذي لا أستطيع أن أجني المال فيه لم يعد بتلك الأهمية...
دخلت عائلتي إلى غرفتي وتجمعوا حولي وهم يشاهدون غرقي الفاضح في بحر اليأس، قالت لي أمي بنبرات حانية: لا تقلق يا هاشم ستنحل بإذن الله، نظرت إليها وقلت لها بلحن بائس: من أين يا أمي وكيف؟
ولأنها تعلم فعلا بأني طرقت كل الأبواب التي من الممكن أن يطرقها شخص عاطل عن العمل مثلي، خفضت رأسها وقالت: الله كريم يا ولدي.
قالت أختي الكبيرة فاطمة: أخي أنت بارع جدا في عالم التصاميم الرقمية، ألم تبع شيئا من تصاميمك؟
قلت لها: بلى يا فاطمة، ولكن الثمن الذي أبيع بها تصاميمي لا يتعدى مصروف أسبوع.
دخل الجميع في صمت مطبق وكأنهم ركبوا معي في دولاب التفكير، عسى أن يجدوا حلا أخرج به نفسي من هذا المأزق المالي الذي قلب حياتي رأسا على عقب.
قاطع محسن أخي الأصغر صمت الغرفة وقال: لماذا لا تطلب من العم جعفر؟، إنه عمك ولك حق في رقبته لقد ساعدته كثيرا في أزمته الأخيرة ووقفت بجانبه، كما إنه يملك مالا لا يعد ولا يحصى؟
قلت له: ذهبت اليه وردني، قال لي بأن التجارة حاليا متوقفة ولا يمتلك المال في الوقت الحالي، لكني أعرف جيدا بأنه يمتلك مالا وفيرا لكنه يتحجج ولا يريد ان يسلفني المال، الجميع يعرف بأن القرش الواحد لا يخرج من جيب العم جعفر بسهولة.
رد محسن، وماذا عن الخال صابر؟
قلت له: "ذهبت الى الخال صابر أيضا، عندما طلبت منه المال قال لي بنبرة استهزاء، وكيف سترد لي المال وانت عاطل عن العمل؟، أعتذر يا ابن أختي انا لا أسلف مالا لشخص اعرف جيدا بأنه لن يتمكن من ارجاعه لي...
لا أقول لك ماذا شعرت حينها يا محسن، شعرت بالمهانة وتعرق جبيني من حدة كلامه، قلت له أن الله هو الرازق، لكنه رد عليه، فليرزقك الله اذن.
هل ترون كيف تبرت العائلة مني؟، هذا من موقف الخال وذاك من موقف العم؟، لم يبقوا للقرابة حرمة.. أحدهم يعز ماله علي، والآخر يذلني بكلامه، وذاك يردني بطريقة وكأني لا اطلب منه دينا بل أتسول منه.
نزلت دموع أمي من حرقة الاحداث، فشخص مثلي من الصعب جدا ان يكون في هذا الموقف..
قالت فاطمة: والان ماذا ستفعل؟ من أين ستأتي بالمال؟
مسحت عرق جبيني بكفي وقلت: لا أدري... لا أدري
دخل علينا صوت جدتي من باحة المنزل التي تطل عليها غرفتي: أنا أعرف شخصا سينقذك من وضعك هذا؟
بقيت الوجوه تنظر الى بعضها البعض متعجبة، قلت لأمي، من هذا الشخص؟، قالت: لا أدري...
هرولت خارجا من غرفتي جالسا تحت قدم جدتي المقعدة على كرسي متحرك في باحة المنزل، قلت لها: من هذا الشخص الذي من الممكن ان ينقذني من هذه الورطة المالية؟
قالت: انه شخص مضمون مئة بالمئة، لا يذلك ولا يردك، وإذا طلبت منه مئة اعطاك ألف... ولن يطالبك بإرجاع المال حتى!
لقد كانت تتكلم جدتي بثقة كبيرة لم أعهدها من قبل، اشتعل وميض الأمل في قلبي وبلعت ريقي بلا صبر وقلت لها: من هو يا جدة؟ قولي لي فقد شاب رأسي من كثرة التفكير... قالت لي بصوت أشبه بالهمس أنه: علي بن موسى الرضا.
وما إن سمعت ذلك الاسم حتى خرّت روحي في باحة المنزل وبكيت بطريقة لا إرادية مستغربا من نفسي وناديته بصوت مخنوق: يا علي بن موسى الرضا...
بكيت كثيرا وقتها، وكأني فرغت ما حملت في داخلي من الذلة والمهانة التي شعرت بها وأنا أطلب المال من هذا وذاك...
مسحت الجدة على رأسي ولم تنطق بكلمة.
كانت تقف أمي عند باب الباحة تشاهدني جالسا عند قدم جدتي أبكي مثل طفل ضائع لا يعرف كيف يجد أمه...
هدأت قليلا ودخلت إلى غرفتي، لم أفكر في الأحداث التي حصلت معي، فكرت فقط بنفسي التي خرت عند أقدام جدتي وهي تنطق باسم: الرضا.
تأملت وجهي في المرآة خجلت من نفسي كثيرا خجلت أن أستعين به، وأنا الذي توجهت للناس قبله... كنت أهذي مع نفسي وألومها وأضرب برجلي من شدة الاستحياء حتى رنّ صوت الهاتف، رفعت السماعة:
-ألو... نعم
-المصمم الأستاذ هاشم كريم؟
-نعم تفضل
-معك المنسق الرسمي من شركة GK International Designs
-أهلا وسهلا
-كنت أريد أن أعرف إذا يناسبك أن تبيع تصميمك الأخير المطروح في موقع " IC project " بسعر عشرة آلاف دولار؟
-ماذا؟!!
-أستاذ هاشم، نحن نعلم بأنك مشغول جدا، لكن مدير شركتنا من المعجبين جدا بتصاميمك الفريدة من نوعها، سنكون سعيدين جدا لو شرفتنا بزيارة إلى موقع الشركة عسى ولعل أن نتفق وتكون المصمم الرسمي للشركة، وستكون راضيا إن شاء الله في العمل والراتب، سأبعث لك موقع الشركة والتفاصيل في رسالة... على أمل اللقاء."
ـ الى الل قا ء
كنت أريد أن أتمم جملتي ولكني عجزت من شدة الدهشة، عشرة آلاف دولار على تصميم واحد؟ عمل ثابت كمصمم رسمي في شركة GK International Designs؟؟؟
هذا غير قابل للتصديق، لالا مستحيل، هرعت بصورة لا إرادية إلى جدتي كنت أضحك بصورة هستيرية بينما الدموع تبلل خدي، صرخت وكأني أريد أن يسمعني العالم كله: يا جدة إنه أكرم مما وصفتيه، لم يعطني المال فحسب بل وجد لي عملا لم أكن أحلم به طيلة حياتي!!، أنا لم أقصد حرمه حتى، لكنه لبى حاجتي من هنا، لقد سمعني يا جدة واشترى ماء وجهي، إنه أكرم بكثير مما وصفتيه لي، أكرم بكثير..
اضافةتعليق
التعليقات