أضناه التفكير وأقضت مضجعه الأوهام، نخرت تلافيف دماغه، حاول مداهنتها لكنها أرغمته على الرزوح تحت نير العذاب، يتجرع كل يوم زعاف سوء الظن.
ترى ما الذي يقاسيه؟ وما الذي أودى به إلى هذه الصحراء المجدبة؟
لقد أخطأ كثيرا من أجهد عقله في صراعات لا طائل منها ، فمن تنطع و تبجح بمعرفة بواطن الآخرين وما تكنه صدروهم ، مجرد تائه في دوائر الغفلة ، و نائم في وهاد السذاجة و الجهل ، فغدا أول ضحية لشكه و ارتيابه، تلاه من حوله من الأبرياء المتصرفون على سجيتهم غير مدركين لما ينسجه حولهم من شباك وقعوا ضحيتها.
إن سيء الظن هو من يعكر صفو المياه العذبة بحجر اللؤم ، و يفقأ باصبع الاتهام عين كل جمال ، فيحرم نفسه شرب نمير الماء ، و يذيق غيره مرارة هواجسه المريضة .
وكما قيل في المثل ( كل شخص يرى الناس بعين طبعه ) فالكاذب لا يؤمن بوجود الصادقين ، والخائن لا يقر بأمانة الأمناء ، وهكذا السارق والمرتشي والمنافق وغيرهم..
ولا يخفى على عاقل عواقب هذه التخيلات التي رسمها بفرشاة وهبته تهيؤات خادعة ، فقطعُ حبال المودة بين الأفراد و العداوة والبغضاء المتفشية في المنازل وأماكن العمل و في اللقاءات الاجتماعية ، ما هي إلا ثمار فاسدة لبذرة عفنة زرعها البعض دون أسباب واقعية أو ذرائع منطقية .
و قد يستفحل الأمر عند البعض ، ليصل لإساءة الظن بخالقه ورازقه ، وعندها ستظهر عليه أعراض القنوط ، واليأس من رحمته سبحانه وهذا ما يدفعه لمزيد من الإثم والعدوان .
ولمن أراد أن ينقذ نفسه قبل فوات الأوان ويجتنب الإثم كما أمره المولى عزوجل ، فعليه أن يخرج من مساره الحالي ويناهض أوهامه ، ويقابل بالإنكار كل فكرة سيئة تميس في دماغه ، عليه أن لا يحسب كل صيحة عليه فيتهم الآخرين بتدبير المؤامرات للنيل منه والتقليل من شأنه .
و لا بأس أن يجابه الشك ويحاربه ، كمن يحارب عدواً شرساً يريد أن يودي به.. فما هذه الظنون إلا ضرب من خيال لا بد من ايقافها لينعم الجميع بعيش رغيد ، وحياة هانئة بعيداً عن صخب التفسيرات الخاطئة ، و ضجيج الاتهامات الفارغة .
اضافةتعليق
التعليقات