تغيّر التركيز الجمعي للبشر في الآونة الأخيرة من تعدد الأهداف وكثرة الإنجاز والجهد إلى التركيز على منطقة الراحة وقضاء وقت رائق مع النفس، فهل ادركنا متأخرين إن حالنا مَثل "الثور المربوط في الساقية" يدور طوال الوقت، وما إن يتوقف للراحة قليلاً حتى يفكر فيما سيفعله حينما يبدأ الحركة من جديد؟ فنحن نفكر في العمل طوال الأسبوع، سواء كنا في أوقات العمل أو حتى في أوقات الراحة.
والواقع أن الوضع لم يكن دائماً كذلك، فقد كانت هناك في تاريخنا أوقات فعلنا فيها العكس، حيث كنا طوال الوقت، سواء وقت العمل أو وقت الراحة، نفكّر فيما سنفعله في وقت الراحة لنُمتّع أنفسنا. فما الذي حدث؟ أين ذهبت كل تلك الأوقات السابقة من النهار التي كنا نعيشها بتفاصيلها ونفعل خلالها مئات الأعمال ونجد متسعاً من الوقت لنفعل الهوايات ونسترخي ونحظى بجلسة شاي بل وننام مبكراً أيضاً! كيف تحوّلت الحياة إلى عجلة لا تتوقف من العمل الدؤوب والمستمر والذي مهما أنجزنا منه يبدو كأنه يتكاثر لنكتشف في النهاية أن هذه الأيام والساعات والدقائق مجتمعة، تشكّل حياتنا بالفعل.
يُطلق في اللغة الإنكليزية مصطلح Me Time وهو ما يعني (الوقت الخاص بي) او بشكل حرفي (وقتُ الأنا) على ذلك الوقت من اليوم الذي تخصصه لنفسك للترويح والاسترخاء. الوقت الخاص بك هو الوقت الذي تخصصه لتكون حاضرًا مع نفسك وعقلك وجسدك وروحك، وهو ما يعد أمراً مهماً للعناية بنفسك وللحفاظ على صحتك وسعادتك وإنتاجيتك.
يمكن قضاء (الوقت الخاص بي) بعدة طرق؛ ما قد يبدو وكأنه (وقت خاص بي) لشخص ما قد لا يبدو وكأنه كذلك لشخص آخر. بالنسبة لشخص ما يمكن قضاء هذا الوقت الخاص في عزلة تامة، بمفرده مع أفكاره والانخراط في أنشطة اليقظة الذهنية. ومن ناحية أخرى، يمكن لشخص آخر قضاء هذا الوقت في داخل المجتمع مع الأصدقاء والأحباء أو في ممارسة هواية ما. القاسم المشترك هو أن هذا الوقت الخاص يعيد التزامن بين العقل والجسد مع بعضهما البعض، وهو أمر ضروري لتحقيق الأداء الأمثل. تخصيص هذا الوقت لنفسك كل يوم ليس ترفًا، بل هو ضرورة. وكما يقول المثل: "لا يمكنك أن تسكب من كوب فارغ"؛ وبالمثل، يحتاج عقلك وجسمك إلى الراحة وإعادة النشاط من أجل خدمتك بشكل جيد. إن قضاء 5 دقائق فقط من يومك قد يكون فعالاً في بعض الأحيان، ولكن في أحيان أخرى قد تجد أنك تحتاج إلى 24 ساعة أو أكثر لإعادة ضبط عقلك وجسمك. يمكن أن يؤدي التخلي عن "الوقت الخاص بي" إلى الإرهاق والمزيد من الإرهاق والأمراض المتكررة.
هنالك الكثير من الطرق التي يمكن من خلالها استثمار هذا الوقت للحصول على أنفع النتائج، مثل التركيز على تمارين التنفس، القيام بهواية معينة، قراءة كتاب، الرسم، الأعمال الحرفية أو اليدوية، والكثير الكثير من الخيارات الأخرى. ففي تمارين التنفس يعد التركيز على أنفاسك طريقة فعالة جداً لإعادة تجديد الاتصال بين العقل والجسم خصوصاً عندما يكون لديك بضع دقائق فقط خلال اليوم.
إن أخذ أنفاس عميقة للداخل والخارج يسمح لجسمك بإيقاف أي إجهاد تم تحفيزه دون وعي. يؤدي هذا إلى إعادة ضبط جسمك وعقلك بعيدًا عن وضع "الهروب أو القتال" ويأخذه باتجاه "الراحة والهضم". كما سيؤدي إنشاء ممارسة تأمل متسقة إلى نتائج إيجابية طويلة المدى مثل تعزيز الذاكرة والقدرة على التركيز.
من جانب آخر يعد أخذ استراحة من التكنولوجيا أسهل مما يتصوره الكثير من الناس، فهو يتطلب التخطيط فقط. قم بإيقاف تشغيل جميع الإشعارات على هاتفك وتأكد من أن بعض الأشخاص يعرفون كيفية الوصول إليك في حالة وقوع حالة طارئة. ثم استرخي. اغتنم الفرصة لتنغمس في قيلولة أو تكتب في يومياتك، مع التركيز على هذا النشاط وحده والحفاظ على وضعية قبول وحب الذات. من الناحية المثالية، يجب أن تكون قد خصصت ساعة أو أكثر لقضاء وقت هادئ دون انقطاع. التقط كتابًا ماديًا (وليس على جهاز) استنشق رائحة أوراقه، لاحظ الصفحات ووزنها والخط والتجليد. إن استعادة احساسك بالأشياء المادية يمكن أن يكون منشطًا بحد ذاته.
في عالمٍ يضج بالعمل والسرعة الجنونية للإنجاز، يمكن دائماً ان تهرب من كل شيء وتنزوي بذاتك لتعيد انعاش السلام الداخلي بينك وبين نفسك، وتذكر دائماً ان هذا ليس خياراً مترفاً قد يجعلك تشعر بالفراغ، بل هو القاعدة الأساسية التي منها تنطلق لتواجه كل يوم بأقل قدر من الإجهاد.
اضافةتعليق
التعليقات