عندما نقرأ عن موضوع ارشادي للناس بهدف التوعية نلاحظ الكاتب في بداية المقالة يبدأ بالتفسير القرآني وأن القرآن الكريم أوضح كل شيء للبشر هذا صحيح ولا غبار عليه.
فالقرآن الكريم في أسلوبه يحث الإنسان على التفكر، البحث، فما سبب تحريم هذا الشيء ولماذا؟ ماهي الفلسفة في تحريم الأشياء؟ لماذا المنع من الله عزوجل؟ لماذا عندما نريد أن نمنع انسان عن شيء ما نخوّفه من عذاب الله قبل أن نشرح له فلسفة التحريم ولما حرمه الله؟ فطبيعة النفس البشرية تريد أن تعرف السبب لأن كل شيء يمنع بدون سبب مقنع يكون مرغوبا!.
الله عزوجل لم يخلق الناس ليعذبهم أو يقيدهم أو يمنعهم من الأشياء التي يرغبون في فعلها، لم يخلق الدنيا ليتعب الإنسان فيها ويحرم من ملذاتها وبالآخرة سوف يجزى والله يعطي له كل شيء، هذا المفهوم خاطئ لدى بعض الناس وإلا لما الله خلق الدنيا؟.
كتب على نفسه الرحمة ولم يخلق شيء عبثا، لولا حياة الدنيا لم تكن حياة الآخرة، الله منح للإنسان الدنيا والآخرة والعيش بكلتاهما سعيدا وكريما مرضيا، كيف يتم هذا؟ لكل إنسان وجهة نظر تختلف عن الآخر حسب رؤيته للأشياء لكن هناك ولابد رأي يتفق عليه الجميع.
عندما يريد المهندس الناجح والمبدع أن يصمم بناية أو مجمع تجاري أو... الخ من التصاميم والمشاريع الصغيرة كانت أو العملاقة عليه أن يلتزم بما يسمى (الكود).
(الكود) هو عبارة عن كتاب فيه المواصفات والمحددات والمعايير المطلوبة لكي يكون التصميم ممتازا والبناء آمنا وضمن المواصفات المطلوبة فإذا التزم المهندس بالكود خرج بعمل جيد ومرضي وأمّن الحياة للناس، فالكود وضع لخدمة الناس شرط الالتزام به من قبل أصحاب الاختصاص، وعند عدم الالتزام به والتصرف بدون مواصفات سوف يؤدي إلى خسائر مادية وبشرية هائلة فالكود وضع لمصلحة الإنسان لجعل حياته أسهل.
الله عزوجل وضع لنا في هذه الدنيا أشبه ما يسمى بالكود وضع لنا محددات لمصلحتنا من أجل أن نعيش في الدنيا والاخرة برضاه فالانسان مخير في الالتزام بها لنفسه وليس من أجل الله.
مثلا؛ أنا لا أكذب أو أظلم لا لأن الله سوف يعاقبني، بل سوف أجر نفسي إلى الهاوية، عقاب الله يأتي للإنسان تأديبا له، فالتفكير في فلسفة الأشياء المحرمة سنجد عظمة الخالق في كيفية اعتناء بالمخلوق من كل جوانب الحياة، الله يحب الإنسان فهو خالقه.
الموضوع تحديداً هنا والذي أود أن أكتب عنه هو الكذب من الناحية النفسية والعلمية والدينية.
لابد وأن معظمنا قد كذب في يوم من الأيام، وأنا هنا لا أقصد الاساءة، فربما كان الكذب بغاية إخفاء الحوادث السيئة عن الآخرين، وبالتالي تجنيبهم المشاعر السيئة، وربما كان يقصد التغلب على الظروف القاهرة ولكن ربما أقول، ربما كان بنوايا حسنة، لكن وبغض النظر عن الدافع إلى الكذب فإن العلم قد حاول فهم هذا الموضوع، حاول أن يعرف العمليات الحيوية التي تحدث عندما يغير الإنسان الحقائق فيكذب، أي حاول فهم عملية الكذب والتي سيؤدي فهمها في نهاية المطاف إلى كشف الكذب.
الطبيب النفساني قد لا يعرف السبب وراء لجوء الشخص إلى الكذب وما الذي يدفعه اليه حتى وإن غابت الأسباب والعوامل المؤدية لمختلف أشكال الكذب الأخرى ولا يعرف الاخصائي لماذا يتجنب الشخص قول الحقيقة للاخرين لكن الشيء المعلوم جيد هو أن الكذب الذي يندفع اليه الشخص هو لعدم شعوره بالأمان والطمأنينة النفسية.
فمن الناحية العلمية فقد استعمل العلماء تقنية fmRI (التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي) في محاولة منهم لتحديد أدق للمكان المسؤول عن الكذب، حيث يتم وضع المتطوع في جهاز ماسح وتطرح عليه مجموعة من الأسئلة، فيقوم هذا الجهاز بقياس التغيرات في التدفق الدموي إلى الدماغ وباستخدام هذه الطريقة أتيح للعلماء أن يحددوا مناطق معينة في أدمغتتا تكون نشطة في حاله الكذب... مثير أليس كذلك؟.
فهل هناك حقا مناطق خاصة للكذب في الدماغ، حيث استطاعوا تحديد أهم المسؤولين عن هذه العملية وهي منطقة القشرة أمام الجبهية prfrontalcortex الموجودة خلف مقدمة الرأس مباشرة وهي في الواقع مسوؤلة عن عمليات تشكيل الأفكار وإدارة الأفعال من أجل تحقيق الأهداف وهي بذلك المشرف على عمليات التخطيط وعمليات الانتباه وحل المشاكل، فلا عجب إذا تكون مسوؤلة عن الكذب، وللعلم فعملية الكذب تتضمن جهدا أكبر من عملية الصدق، كون الكاذب سيخفي حقيقة ويختلق شيئا جديدا، وهذا بالتأكيد سينعكس على النشاط العصبي، كما وجدت أبحاث أخرى إن الأشخاص يأخذون وقتا أطول للاستجابة عند الكذب.
أما في الشريعة الإسلامية في الكتاب والسنة أهل البيت عليهم السلام. فالكذب، هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع، وليس الإخبار مقصوراً على القول فقط، بل يكون بالفعل - كالإشارة باليد أو هزّ الرأس - أو يكون من خلال السكوت، وهو من أقبح الرذائل التي جاءت الآيات القرآنية والروايات للنهي عنها، حتى بلغ الأمر أن عُدَّ الكذب على الله ورسوله (ص) أو أئمة أهل البيت (ع) مبطلاً لصوم صاحبه، إلاّ أنّه تبقى بعض الموارد التي يجوز فيها الكذب للضرورة.
والكذب في الأصل يقع على القول ماضياً كان أو مستقبلاً، ويقع في الفعل أيضاً، ولا يكون في القول إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام.
للكذب مترادفات كثيرة، ولكنه يختلف معها من حيث الاستعمال في الكلام منها:
الإفك: هو الكذب الفاحش القبيح مثل الكذب على الله ورسوله وعلى القرآن ومثل قذف المحصنة.
الافتراء: أخصّ من الكذب؛ لأنه الكذب في حقّ الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنه قد يكون في حق المتكلم نفسه، ومنها قوله تعالى: «افترى على الله كذبا». حكاية عن الكفّار لزعمهم أنّه أتاهم بما لا يرتضيه الله سبحانه مع نسبته إليه.
البهتان: هو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له.
ورد ذمّ الكذب وتحريمه في آيات عدّة من القرآن الكريم، منها:
إنّ أشدّ أنواع الظلم هو اختلاق الكذب على الله، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
إنّ الكذب لا يجتمع مع الإيمان إطلاقاً: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾.
إنّ الكاذب لن تشمله الهداية الإلهية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾.
إنّ الكاذب يستحقّ لعنة الله تعالى: ﴿لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾.
وورد أيضا أنّ الكذب هو الفسوق المذكور في سورة البقرة المنهي عنه في مناسك الحج: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ}.
جاءت الروايات بالنهي عن الكذب وتحريمه: فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الكبائر».
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُم والكَذِب، فإنّه يَهدِي إلى الفُجور، وهُما في النَّار».
عن الإمام العسكري عليه السلام: «جُعِلَتِ الخَبائثُ في بَيتٍ وجُعِلَ مِفتاحُهُ الكذب».
عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لايجد عبدٌ طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجدّه».
الكذب بالمطلق من وجهة نظر الشريعة الإسلامية حرام، ويأثم مرتكبه، كما ويعتبر تعمّد الكذب على الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليه السلام مبطلا للصوم، سواء بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو نحوها.
مواضع جواز الكذب
رغم أنّ الكذب حرام ومن أخطر الذنوب على المستوى المادي والمعنوي والفردي والاجتماعي للإنسان، إلا أنّ هناك موارد وردت في الروايات وكلمات الفقهاء وعلماء الأخلاق تستثني فيها الكذب من القبح وهي:
الكذب لإصلاح ذات البين.
الكذب لخداع العدو في ميادين القتال.
الكذب في مقام التقية.
الكذب لدفع الظالمين.
الكذب في جميع الموارد التي يجد الإنسان نفسه وناموسه في خطر محدق ولا نجاة له إلا بالتوسل بالكذب.
مساوئ الكذب
للكذب آثاره التي تؤثر على تركيبة النفس البشرية وعلى دنيا المرء وآخرته، منها:
ذهاب بهاء المرء: فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قَال عِيسى بْنُ مَرْيَمَ عليه السلام: مَنْ كَثُرَ كِذْبُهُ ذَهَبَ بَهاؤُهُ».
الحرمان من صلاة الليل: عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ الرجُلَ لَيَكذِبُ الكِذبَةَ فَيُحرَمُ بها صَلاةَ اللَّيل».
نقص الرزق: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «الكذب ينقص الرزق».
الفقر: عن الإمام علي عليه السلام: «اعتياد الكذب يورث الفقر».
الكذب يسوّد الوجه: عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الكذبَ يُسَوّدُ الوَجهَ».
النفاق: عن أمير المؤمنين عليه السلام: «الكذب يؤدي إلى النفاق».
اضافةتعليق
التعليقات