كان قيس يبحث عن ليلىٰ، فمّر علىٰ جماعة يصلّون فقالوا: تمرّ ولا تصلّي معنا؟ فقال: ما رأيتكم.. ووالله لو كنتم تحبّون الله كما أُحبّ ليلىٰ لما رأيتموني!!.
هي قصة جديرة بالتأمل فعلا.. لكنها مؤلمة في نفس الوقت، فالكثير منا يعاني من ظاهرة تشتت الفكر أثناء القيام للصلاة والوقوف بين يدي رب العالمين.. لماذا ياترى؟!
هل للأرض مغنطة تبقينا لاصقين فوق أرجائها وبين ثناياها؟ أم أن قلوبنا هي من صدأت وران عليها الكثير من الخطايا فما عدنا قادرين عن الانفكاك من وحل التراب والسمو إلى رحاب السماوات؟! أم أن مشاغل الحياة ومشكلاتها هي من تلهينا عبثا وتعرقل مساعينا، وتحول دون انطلاقتنا نحو فسحة الروح إلى بارئها عزوجل؟!
قد يكون الجواب هو كل ما ذكر وغيره.. إلا أن الشرود أثناء الصلاة له تداعيات كثيرة على النفس البشرية، قد تجعل من عملية الصلة بين العبد وربه عملا روتينيا يلقي بظلاله الثقيلة على الروح، فلا تبرح مكانها ولا تهنأ بوصالها.
فكيف المخرج من هذا المأزق ياترى؟
١/ استحضار التركيز أثناء الصلاة:
بما أن الخشوع مطلب ضروري وعمل محبوب من العبد، كان لابد من استحضار التركيز أثناء العمل التعبدي، وإلا فإن الشرود سيكون هو سيد الموقف.. فمن منا لا يحب أن يكون خاشعا في صلاته؟ ومن منا لا يود أن تكون صلاته علامة فارقة في حياته؟
لقد أثنى الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين في العديد من مواضع القرآن الكريم بوصفهم بالخشوع، حيث قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).
وقال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ).
ولا بُد من التنويه إلى أن الخشوع يتفاوت من مؤمن إلى آخر ، ومن صلاة إلى صلاة، فقد يتعرض الإنسان خلال صلاته لبعض وساوس الشيطان ونفثاته وأراجيفه ونوازعه والتي تخلّ بمجموعها في خشوع المصلي، وتحد من عروجه نحو السماء، وتبقيه رهين مشكلاته ومشاغله الدنيوية الزائلة..
وقد جاء في الحديث: من خشع قلبه خشعت جوارحه.
٢/ كثرة الاستغفار واستشعار الندم على الذنوب والخطايا.
لا يمكن الوصول إلى تجليات الروح وصفائها من دون استشعار الندم على ما علق بها من ادران الخطايا والمعاصي.. والاستغفار هو وسيلة التقرب إلى الله.. وهو بالتالي سلاح بيد المؤمن يشهره بوجه الأبالسة، وكل جنود الشيطان ممن يريدون ابقاؤه أسيرا يدور في فلكهم.
إذن الانابة والتوبة إلى الله وكثرة الاستغفار هي من تجعل العبد يرتقي نحو السماء بسريرة صافية وقلب خاشع.
٣/ التفكير في أهمية الصلاة وماهيتها وأنها معراج الروح، هو من يجعل المصلي متوجها إلى رب العزة والجلال.. لأن العبد إذا تفكر في قيامه بين يدي المولى استشعر الخشوع والتذلل وانقطع بالتالي عن روابط الدنيا ومشكلاتها التي لا تنتهي.
فالتفكر بعظمة الله وتذكّره في القلب، والتوجه الخالص نحوه سيحول دون انزلاق العبد المصلي للتفكير في سفاسف الأمور الزائلة.
فلنعالج الشرود بالصدود عن كل ما يمنعنا عن التحليق في فضاء الرحمة الالهية.. ولنستعن بالله القوي العزيز على وساوس الشيطان، ولنجعل رضاه مرادنا ومبتغانا.. فإنّه نِعمَ الربّ المُعين.
اضافةتعليق
التعليقات