مع ما يمر به البلد اليوم من الأزمات والصراعات السياسية اللامتناهية، يعيش المواطن العراقي حالة من التشوش والانصياع الفكري الكبير من قبل الجهات التي تحاول بكل الطرق خلق الرأي العام وتوجيهه نحو الطريق الذي يلائم مصالحها الخاصة على أرض الواقع والعالم المجازي..
فنرى بأن قانون "البقاء للأقوى" لم يقتصر على عالم الطبيعة فحسب بل امتد إلى الواقع السياسي، ومع الغضب الجماهيري الذي نشاهده اليوم ضد الطبقات السياسية والشخصيات التي استفزت الجمهور العراقي اتضح على أثره نوايا الفساد التي ترنوا اليها الشريحة المترنحة لسنين طويلة على حبل السلطة بلا فائدة.
وبما أن جميع الأوراق انكشفت، وملفات الفساد قد باتت معلنة للملأ، ووجوه الفاسدين الذين استغلوا المناصب السياسية في خدمة مصالحهم الخاصة عوضا عن خدمة الشعب قد تعرت.
لم تبقَ لهم إلاّ طريقة واحدة تضمن لهم الحياة في عالم السياسة ومضلتهم الوحيدة للنجاة هي كسب الرأي العام!، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف يتم كسب الرأي العام مع هذا النفور الجماهيري وكشف الأوراق الذي شاهدته الساحات العراقية في الفترة الأخيرة؟، الجواب هو من خلال صناعة الرأي العام.
ففي مسلسل صناعة الرأي العام تلعب "الفتنة" دور البطولة، ليختلط على أثرها أوراق الباطل مع أوراق الحق بطريقة لا يمكن ملاحظتها أو تمييز الصالح منها، وما يحصل اليوم هو تزيين الباطل على أنه الحق أو العكس/ ووضع المواطن العراقي في موقف الحيرة بحيث يصعب عليه التمييز بينهما لينتهي به المطاف باتخاذ القرار النهائي من خلال اتباع الشخصية التي تبجلها جماهير كبيرة وضخمة..
وهذا الأمر هو طبيعي جدا، إذ إن نفسيا الإنسان الذي يحتار بين الاختيارات غالبا ما يتجه الى الخيار الذي قد سلكه الاخرون ونال شعبية الناس..
فمثلا عندما نشاهد صفحة على (الانستجرام) أو أي موقع اجتماعي آخر له رقم من المتابعين كبير جدا، سننجذب وننضم اليها.
فما يحصل اليوم هو ذات الشيء تماما، عندما نجد بأن شخصيات إعلامية أو سياسية قد طرحت في مكان ما ونالت اعجاب الكثير وحصلت على تبجيل الناس وكذا عدد من (اللايكات) والتعليقات المادحة، من الممكن أن يلين موقفنا تجاهه لو كان سلبيا.. وحتى العكس.
ولكن ماذا لو كان عدد الإعجابات والمديح والتعليقات التي تحت الصورة أو تحت الخبر المنشور هي أعداد وهمية وكاذبة وليست حقيقية؟!
هنا بالفعل تكمن الكارثة، عندما يتم نشر الخبر وصناعة عدد من الأشخاص الوهميين والصفحات المزيفة لدعم المنشور بالتعليقات والاعجابات من أجل هدف معين، وعندما يدخل الانسان المتابع الى هذه الصفحات ويجد هذا العدد الهائل من التفاعل الايجابي على هذا المنشور بالذات سيتفاعل لا إراديا وتبدأ الأفكار تتغلغل في دماغه.. وتثير التساؤلات في باله بأن هل من المعقول أن أكون أنا على صح وهذا العدد المخيف من الناس على خطأ؟! ربما لا، وهنا تبدأ عملية تغيير موقف الشخص من الحق الى الباطل أو العكس، بطريقة ناعمة ومسيسة دون أن يشعر الانسان بعملية تغيير أفكاره وآراءه حتى.
وبهذه الطريقة الماكرة يتم صناعة الرأي العام وتوجيه الناس اعلاميا بصورة تلائم المصلحة الشخصية في الوضع الراهن، ومع ازدياد الفتن وكثرة الشبهات وركوب التضليل موجة الأخبار والأحداث الواقعة يحتاج المواطن العراقي اليوم إلى وعي أعمق وفضاء واسع للفكر إذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "بالفكر تنجلي غياهب الأمور". فمثلا بعدما يشاهد الانسان خبرا ما من الاذاعة الفلانية أو يسمع حادثة قد وقعت من الشخص الفلاني، لو أعطى لنفسه مهلة للتفكير في مجريات الأمر قبل تصديقه للخبر أو الحادثة لحفظ نفسه من الوقوع في مصيدة التضليل لأن بمجرد أن يضع لنفسه خيارات بأن هذا الخبر من الممكن أن يكون صحيحا أو خاطئا اعطى لنفسه فرصة للتفكير والتقصي عن الخبر والتأكد من سلامة الموضوع قبل الاستعجال والتفاعل معه..
ومن الممكن ان تكون الخطوات كالتالي:
-1سماع أو قراءة الخبر.
-2 التحري عنه ومعرفة الحقيقة.
-3 تصديقه أو تكذيبه.
-4التفاعل.
بالإضافة الى التحرز في اختيار المواقع والشبكات الإخبارية ومتابعة الجهات الموثوقة وعدم التفاعل مع أي منشور أو خبر يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي قبل التأكد من صحته يضمن للإنسان عدم الانزلاق في وحل التضليل ويكون سببا في دحر مخططات العدو الإعلامية في زرع الفتنة وتأجيج الوضع بين الأطراف..
كما أن اليقين المطلق بأن "من كان عدوا للحق إذن هو باطل" يلعب دورا مفصليا في بصيرة الانسان، ويبقى أتباع البوصلة الطريقة الأكثر أمنا للنجاة من الأحداث والفتن الواقعة.
اضافةتعليق
التعليقات