من قال أن الثورة هي دمار فحسب.. لربما يكون ثمن مطالبها غالي, إلا إن اشراقة أملها طرزته الألوان..
فها هي ثورة تشرين تجاوزت سلميتها ثنايا القلب, لتعزف أنامل الفنانين على جداريات شوارع مُدُنِهم ليرسموا لوحات تحمل أسمى المعاني برمزيتها التاريخية والوطنية, من أجل أن تشرق شمس الحرية على ربوع عراقهم الحبيب..
(بشرى حياة) سلطت الضوء على هذه المبادرة الرائعة:
ثورة فن
من بلاد سومر, من بلاد ما بين النهرين من أرض الحضارة العريقة بابل, التقينا بالفنانة التشكيلية نداء العلي لتحدثنا عن تجربتها الجميلة حول ما خطت أناملها الذهبية: "كلمة ثم فرشاة ولون, صنعنا لوحة كان عنوانها ثورة, إنها حقا ثوره فن!.
إذ تجسدت برسومات آنية حول واقع الثورة وما تأثرنا به من مشاهدات عينيه للشهداء لجبل اُحد (المطعم التركي) وللتكتك الذي كان رمز الغيرة العراقية, بالإضافة أنا كنداء العلي, وضعت لمستي الخاصة وهي معالم التراث العراقي على الجدران بألوان زاهية كونها تعطي انطباع الأمل والتفاؤل, وبالوقت ذاته هي رسالة للأجيال القادمة عن معالم العراق التاريخية التي هي عنوان جذورنا".
وعن مشاعرها قالت العلي: "كانت بداخلي فرحة كبيرة لسببين أولهما هو كسر حاجز الخوف, والثاني هو اندفاع الشباب والبنات بالعمل, إذ الجميع عملَ كخلية النحل, أحدهما مكملاً للآخر, وهذا إن دل على شيء فيدل على عشقهم لمدينتهم, وبلدهم, إذ كنا نعمل من الساعة الثامنة صباحا لساعات متأخرة من الليل لا نبالي بالجوع والعطش أو التعب, كل ما نهتم به هو اثبات أن الثورة هي انطلاقة سلمية حضارية, الهدف منها التغير لمستقبل أفضل للبلد".
وكانت آخر أمنيات نداء العلي هي: "بعد أن تمر هذه المرحلة هو الأخذ بنظر الاعتبار أن الشعب قادر على تغير نفسه بنفسه, لكونه يحمل فكر ناضج, ورؤية حقيقية نحو عراق خالي من الطائفية, إذ يكون بلد موحد ومسالم, لا نريد للسلاح أن يدوي في المدن, لأننا شعب محترم ويحترم الجميع بطوائفه, وأديانه, وقومياته, فالعراق لكل العراقيين".
لم يشكل تخصصها الأكاديمي في ادارة الاعمال عائقا لموهبتها فكانت لفرشاتها نصيب على جدران مدينتها كربلاء الحبيبة, حدثتنا الفنانة رقية رستم عن مساهمتها في ثورة الفن قائلة:
"أعجز عن وصف مشاعري ازاء ما حملته هذه الثورة التي شهدتها من معاني عميقة في التكاتف والاخاء, إذ كانت خير مثال لمطالبة الشباب من العاطلين والخريجين والعوائل المتعففة بحقوق بسيطة من أجل العيش بحياة كريمة في بلد يخلو من أي دمار".
وأضافت: "انطلقت بألواني بعدما تلقيت دعوة من أحد الاصدقاء للمشاركة في حملة ثورة فن, لونت الجدار بألوان الحب للوحة رمزية لتكتك انطلق بالبالونات تعلوها عبارة (الله اكبر) وجدارية أخرى لمرأة عراقية تحيك العلم العراق بخيط استلته من بركة دم, إذ توحي بذلك بأنها ستعيد نسج علم بلدها ليرتفع شامخا بدماء ابنها الشهيد الذي قدمته قربانا للوطن".
ختمت رقية حديثها: "كلنا نحمل أماني تفوق خيالنا الغض, إلا إن أمنية واحدة لم يتسنى للذاكرة نسيانها هو أن نحتفي بعراق جديد يحمل معه مجد هذه الحضارة التي ستبقى رسومها على الجدران كبصمة يخلدها التأريخ".
وكانت لنا وقفة مع الفنان الشاب محمد مصطفى قال فيها: "مشاعري تفوق الوصف بالجمال إذ إن انطلاقتنا مع أدوات الرسم بين الفرش والدهان كانت خير سلاح نعبر به عن سلمية ثورتنا, لنوصل للعالم إن ما نقوم به هو اصلاح لا تخريب ولا عنف, إذ تظافرت جهود الشباب بطاقاتهم المبدعة للمشاركة من مختلف الأعمار, والجامعات, والمدارس, غايتهم واحدة هو تجميل شوارع مدنهم لتحمل ثورتهم شعار سيذكره الأجيال ألا وهو (ثورة فن) ثورة جمال واصلاح".
وعن رمزية الرسوم التي شارك بها قال محمد: "ساهمتُ بثلاث جداريات الأولى كانت لطالبة رفعت العلم العراقي في وسط ساحة التظاهرات, إذ حملت هذه الرسمة معنى عميق لمشاركة المرأة ودعمها ووقوفها مع أخيها الرجل في ساحة الاعتصام.
أما مشاركتي الثانية كانت لخط جملة ايجابية تحمل عنوان (الحياة كاميرا.. خليك مبتسم) الهدف منها هو تحفيز المارين بجانبها على الابتسامة قسرا لتشحنهم بالفرح المباغت.
فيما كانت رسمتي الأخيرة لعين بداخلها عدسة تصور ساحة الاحرار في كربلاء (فلكة التربية سابقاً) توحي هذه الصورة برمزية خاصة بأن كربلاء في عيوننا هي وأهلها وكل من يزورها".
وشاركنا الفنان التشكيلي المحترف منتظر الحكيم قائلاً: "منذ انطلاقة ثورة (٢٥ ) تشرين ولهذه اللحظة وانا ارسم واجسد المعاناة والحزن والتفاؤل والأمل في لوحاتي وعلى الجدران، وذلك لأن الفنان سلاحه هو فرشاته ولأن فن الرسم هو أعمق رسالة في كل المجتمعات".
وعن شعوره أثناء ولوجه في عالمه المفضل قال: "حينما أرسم هذه اللوحات اكون منعزل تماما عن الجميع، لا أسمع، ولا أرى غير لوحتي، وذلك للانسجام التام لتفريغ كل مشاعري وأحاسيسي في اللوحة، كما أن هذا الانسجام بين الفنان ولوحاته يولد فيها الروح".
وعن مشاركته قال الحكيم: "بالنسبة لجدارياتي التي خطت على جدران مدينتي كربلاء كانت متنوعة، إذ اخترت مواضيع تمثل واقعنا لتجذب المتذوقين للفن من خلال تكنيكه وأسلوبه أو حتى نوع المدرسة، بالاضافة إلى طرق التلوين الاحترافية، كما رسمت جدارية للوحة طفل شهيد بتدرجاته الرمادية وهو يحتضن العراق بكل قوة وحب، وتنبع وردة متفتحة في صدره تمثل بغداد وهي تنزف بقطرة دم".
ختم حديثه: "هدفي بمشاركتي في ثورة الفن هذه هو التفاؤل بأن العراق سيكون يوما ما عالم آخر مثل لوحاتي، وأن ننال النصر قريبا".
نبض السلام
هكذا كانت ثورة العراق, تزهو بالألوان شوارع مدنها, من بغداد إلى كربلاء ثم النجف وصولا إلى بابل.. وغيرها من المدن, على رغم من محاولات تشويه بعض المغرضين لسلميتها, إلا إن أبناء الثورة أعادوا نبض السلام إليها, نسأل الله أن يكون ختامها خيرا يخلو من أي ثمن يدفعه الأبرياء بدماء الشهادة.
اضافةتعليق
التعليقات