منذ سنوات طويلة تعاني الأمة الإسلامية من العديد من التحديات التي ساهمت في انقسامها وتشتيتها. فالصراعات الطائفية والسياسية والاقتصادية، إضافة إلى التدخلات الخارجية، جعلت المسلمين يعيشون في فترات من التفكك والفرقة. ونتيجة لهذه الأوضاع، بدأ المسلمون يشهدون تراجعًا في مكانتهم على الساحة العالمية، خاصة في المجالات السياسية والاجتماعية.
وفكرة توحيد الأمة لا تعني التخلي عن المذهب والعقيدة، بل العكس إنما التمسك بها والحرية في التعبير عنها، وما نقصد بالوحدة هو أن يجتمع المسلمون على كلمة الحق بغض النظر عن اختلاف المذاهب والطوائف ولا تتطرف أي جهة بأفكارها وطرحها، بل تحترم العقائد والأفكار المختلفة دون المساس بغيرها، وأن تطرح الحقيقة دون أي تجاوز أو هتك للحرمات، وأن تقف يدا بيد بوجه من يهدد خطرا حقيقيا على الإسلام.
ولعل أبرز شاهد هو حرب غزة، عندما توحد الكثير من المسلمين ضد العدو الغاشم بغض النظر عن طوائفهم واختلافاتهم العقائدية.
لأنهم أدركوا جيدا بأن هذا العدو يستهدف الإسلام والإنسانية معا، فكان لابد لهم أن يقفوا يدا واحدة ولا يسمحوا لهذا الكيان الغاصب أن ينفذ مشروعه القذر حتى وإن كلف ذلك دماء الشباب الأطهار من السنة والشيعة.
ولكن في نفس الوقت لا ننسى بأننا شهدنا تخاذلا كبيرا من قبل باقي المسلمين وحتى العديد من الدول، وعلى سبيل الافتراض لو كانت جميع الدول العربية والإسلامية واقفة جنبا بجنب تحت كلمة واحدة هل كان سيبقى لهذا الكيان الغاصب أثرا في المنطقة؟ بالطبع لا!
صحيح أن الوحدة الإسلامية الحقيقية التي نتكلم عنها أمر صعب جدا في عالم يبحث فيه كل واحد عن مصلحته ورفاهيته، وأن من سيحقق هذه الوحدة ويقود العالم تحت كلمة واحدة هو رجل واحد لا غيره، وجميعنا متأكدون بأن الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى رؤية موحدة تتجاوز الحدود الطائفية والعرقية، وتعيدها إلى رسالتها الأساسية في نشر العدل والمساواة والحرية. ولكن، كيف يمكن تحقيق هذه الوحدة في ظل هذه الظروف؟
يعتبر الإمام المهدي (عليه السلام) في الفكر الإسلامي قائدا محوريًا في تحقيق الوحدة والتلاحم بين أمة الإسلام. فالرؤية التي يمتلكها الآخرون عن الإمام المهدي لا تقتصر على كونه شخصية غيبية ستظهر في المستقبل، بل هو أيضًا رمزاً للأمل في توحيد الأمة الإسلامية وإعادة بناء مجدها الذي قد شابه الضعف والتفرقة.
من هنا، نرى أن الإمام المهدي لا يمثل فقط مخلصًا فرديًا بل رمزًا للعدالة والقيادة التي ستجمع شمل المسلمين، وتحقق الأهداف العليا لهذه الأمة العظيمة.
وسينجذب الناس إلى حكومته بسبب ما سيشاهدونه من العدالة والحرية في دولته الكريمة وسيلتفت إليه الشرق والغرب والشمال والجنوب من كل الأديان والطوائف على حد سواء.
وفي هذا السياق، يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) كحلقة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل. هو ليس مجرد شخص يبرز في لحظة زمنية معينة، بل هو شخصية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية وفكرية تؤثر في مسار الأمة الإسلامية بأسرها.
فالعديد من الأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) تشير إلى أن الإمام المهدي سيظهر في وقت يعم فيه الظلم والفساد في الأرض، ويقود الأمة إلى توحيد صفوفها وتوجيهها نحو تحقيق العدالة الإلهية. وهذه العدالة لا تقتصر على جوانب معينة فقط من الحياة، بل تمتد إلى مختلف ميادين الحياة: السياسة، الاقتصاد، الحقوق، التعليم، والعلاقات الإنسانية.
إذ أن الإمام المهدي، بما يمثله من قيادة شجاعة وفكر نير، سيجمع الأمة الإسلامية تحت راية واحدة، ويغرس فيها مفاهيم التعاون والاحترام المتبادل بين مختلف الطوائف والفرق الإسلامية وسيكون الجميع تحت رايته وعلى نهجه.
لكن كيف يمكن للمسلمين اليوم، في زمن غيبة الإمام المهدي، أن يساهموا في تعزيز الوحدة الإسلامية؟
أولًا/ لا شك أن تقوية الروح الإيمانية والتمسك بالمبادئ الإسلامية العليا هي الخطوة الأولى نحو توحيد الأمة. إذ أن التأكيد على الأخوة بين المسلمين وعدم السماح للمشاعر الطائفية والمذهبية بالتغلغل في النفوس هو أساس بناء الوحدة.
ثانيًا/ علينا أن نعي أن الإمام المهدي سيأتي في وقت حساس، حيث سيتطلب ظهوره إيمانًا عميقًا ويقينًا بالله تعالى وقدرته على إصلاح الأوضاع. وهذا يشير إلى ضرورة التحلي بالصبر والثبات على القيم الإسلامية، والعمل على تعزيز التعليم والتربية الدينية التي تعزز الأخوة والوحدة بين المسلمين.
ثالثًا/ يجب على الأمة أن تواصل السعي نحو تحقيق العدالة في العالم الإسلامي، سواء من خلال الجهاد الفكري، أو تعزيز مبدأ الحرية والعدالة الاجتماعية. إذ أن أحد الأهداف الرئيسية التي سيحققها الإمام المهدي عند ظهوره هو بناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة.
رابعا/ على المجتمع الإسلامي أن يعي بأن الترويج لحكومة الامام المهدي تتم من خلال المناداة بالحرية والعدالة التي سيحققها الامام في ربوع الأرض وترغيب الناس من خلال هذين العنصرين وتوضيح الأهداف التي سيحققها الامام في ظهوره المبارك.
وليس بتكفير العقائد وأفكار الآخرين لأنه سيسبب النفور وسيخلق رادعا قويا عند الطوائف الأخرى.
في النهاية يبقى الإمام المهدي (عليه السلام) هو رمز الوحدة الإسلامية ومصدر الأمل في تحقيق العدالة الشاملة. والأمة الإسلامية اليوم أمام تحديات كبيرة، ولكن بالتمسك بالقيم الإسلامية المحمدية الأصيلة، يمكن للمسلمين أن يكونوا جزءًا من التهيئة العالمية التي ستتم عند ظهور الإمام المهدي. ومع ظهور هذا القائد العظيم، سيشهد العالم نهضة إسلامية حقيقية، تقود إلى وحدة الأمة وتحقيق العدالة الاجتماعية في ربوع العالم أجمع.
اضافةتعليق
التعليقات