إن رغبة الحب والود والاستمتاع بشيء دون رغبة في امتلاكه هو أمر متفاوت جدا، والحق أنه ليس من السهل على الإنسان الغربي الحديث أن يفصل بين المتعة والتملك، وإن يكن ذلك ليس غريبا تماما عنا، غير أن مثل الزهرة...
إذ لا ينطبق إذا كانت نظرات المتجول قد وقعت لا على زهرة، وإنما على جبل، أو على مرعى، أو على شيء يستحيل أخذه أو حمله بعيدا.
ومن المؤكد أن كثيرا من الناس وربما أغلبيتهم، لا يرون الجبل إلاّ بنظرة سطحية عابرة، فهم يرغبون بدلا من رؤيته حقيقة، أن يعرفوا إسمه وارتفاعه، أو ربما يرغبون في تسلقه وهي كلها رغبة في امتلاك شيء منه.
ولكن يظل البعض قادرا على رؤيته والاستمتاع به حقيقة، ويستطيع المرء أحيانا أن يقرأ التجاوب الإنساني على تعبيرات الوجوه وقد رأيت أخيرا فيلما تلفازيا يقدم عروضا مدهشة يقوم بها البهلوانات والمهرجون في سيرك صيني، وفي الأثناء كانت الكاميرا تدور عدستها على وجوه النظارة وتصور تجارب أفراد من الجمهور، ورأيت أغلبية الوجوه تشرق وتعود إلى الحياة، وتصبح جميلة في تجاوبها مع العرض المليء بالحيوية والرشاقة، ولم يظل على جموده وبروده إلاّ الأقلية.
ومن الأمثلة الأخرى للاستمتاع بغير رغبة في التملك ما يمكن رؤيته بسهولة من تجاوب مع الأطفال الصغار، وفي هذا المثل أيضا يجب أن نحذر من سلوك خداع الذات، حيث يطيب لنا أن نرى أنفسنا في دور المحبين للأطفال، ومع ذلك فأنا أعتقد أن التجاوب الأصيل والحي مع الأطفال ليس نادر الحدوث.
وربما يعود هذا جزئيا إلى أن مشاعر أغلبية الناس تجاه الأطفال على خلاف مشاعرهم تجاه البالغين والمراهقين لا تعكرها أي مخاوف ومن ثم يشعرون بحرية التجاوب معهم بحب خالص، وهو أمر يستعصي علينا إن وقف الخوف في طريقنا..
كما أن الأشخاص الذين يستبد بهم حافز الامتلاك يريدون أن يملكوا الأشخاص الذين يحبونهم، ويمكن أن نلاحظ ذلك في العلاقات بين الآباء والأمهات وأطفالهم وبين المدرسين وتلاميذهم، وبين الأصدقاء، حيث لا يكتفي كل طرف بالاستمتاع البسيط بالطرف الآخر، وإنما يرغب في امتلاكه لنفسه ومن ثم تكون الغيرة ممن يريد أن ينازعه الملكية، وعموما فإن العلاقات التي يسودها نمط التملك تكون ثقيلة مرهقة، ومشحونة بالغيرة والصراعات.
بصفة عامة العوامل الأساسية التي تحكم هذا النوع من العلاقات هي المنافسة والتنافر والخوف، وينبع عامل التنافر والعداء من الطبيعة التملكية للعلاقة، لأنه إذا كان التملك هو أساس الإحساس بالهوية، لأني لست إلاّ ما أملك، فإن هذا لابد من أن يفضي إلى الرغبة في أن أملك الكثير وأن أستزيد إلى غير حدود.
أي إن الشراهة والجشع هما النتيجة الطبيعية للتوجه التملكي، ويمكن أن يتخذ الجشع أشكالا مختلفة منها: جشع البخيل، وجشع التاجر الباحث عن مزيد من الأرباح وكذلك جشع زير النساء وجشع صائدة الرجال، وأيا كان الشيء الذي يسيل له اللعاب فإن الجشع لا يشبع أبدا.
وما قيل عن العلاقات بين الأفراد ينطبق على العلاقات بين الأمم، فكما أن التوجه التملكي يولد الجشع ويفضي الى العداء والصراع بين الأفراد، كذلك الحال بين الأمم.
فطالما تتكون الأمم من أناس حافزهم الأساسي هو التملك والجشع فإن الأمم لا تملك إلا التوجه للحرب فيما بينها، فكل أمة تنفس الأمة الأخرى ما تملك، وتحاول أن تنتزعه منها بالحرب، أو بالضغوط الاقتصادية أو بالتهديد والابتزاز وتستخدم هذه الأساليب ضد الدول الضعيفة خاصة.
وتتشكل تحالفات للنيل من الدول المستهدفة بالقوة ولا تتردد أي دولة تتوسم في نفسها التفوق عن شن الحرب، لا لأنها تعاني اقتصاديا وإنما لأن الرغبة في تحقيق الفتوحات وامتلاك المزيد مغروسة غرسا عميقا في الشخصية الاجتماعية.
اضافةتعليق
التعليقات