إن ظاهرة الذهاب لمن يسمون أنفسهم عرافين ممن هم من أهل الدجل والشعوذة سواء من يدعون أنهم يعرفون المستقبل أو يتنبؤون به، وممن يتفاءلون بالقرآن الكريم، أو من يفكون السحر، ويخرجون التابعة وما شابه!.
أصبحت ظاهرة ليست مقتصرة على فئة أو طبقة معينة من الناس (بالأخص النسوة) بل حتى ممن هن متعلمات ولديهن مقدار من الثقافة، لكن الانجرار الغير واعي وراء هكذا حلول لحل المشكلات أو المخاوف التي تصيب الانسان، سواء كانت مشكلات نفسية أم معنوية، هي بالأصل أمور تصيب كل أنسان، ولا توجد حياة خالية من هكذا مشكلات وهموم، وحتى غريزة حب معرفة ما يخبئه المستقبل لنا كما يقولون!.
إنما المشكلة في تفكير الانسان ووعيه متى ما حدد اختيار الطريقة الغير مناسبة أو الاصح لكي يتعامل معها ويحلها بل ويحسن عملية تقنينها والتفكير بها.
فالخوف من أذى الاخرين أو الاصابة بمشكلة نفسية أو مشكلة اجتماعية قد تنبع من زيادة التفكير وتخيلات ليس إلا، أو من الفراغ وعدم وجود أهداف تشغل حياة الانسان.
وليس من أهل الوعي من لا يفكر بطرحها على أهل التخصص لإيجاد الحل لها، ويذهب لكذا اناس!.
وفي الحقيقة فإن انعدام الوعي نابع من قلة الايمان التي تحملها تلك النفوس، تلك التي لم تتحصن بثقافة ربها التي أرسلت إليه عبر كتابه وعبر رسله ورسالاته والتي منها:
أولاً: الايمان بحاكمية الله تعالى على هذا الكون وقدرته المطلقة وسلطته المتحكمة بكل فعل يصدر من البشر، فما نحن جميعا إلا مخلوقات ضعيفة، فليس من التعقل أن يخاف المخلوق من مخلوق ضعيف مثله لا يملك لنفسه نفعا ولا ضراً.
وكذلك الخوف من مخلوقات الجن، فتعالى بين أن الشيطان مهما كان سلطانه على الانسان إلا إنه الأضعف، وكما يعلق أحد الأفاضل إن الانسان الذي يخاف من الشيطان، هو في الحقيقة يضع نفسه في غير موضعها، فيكون بذلك أضعف من الضعيف، لأنه يخشى ممن هو أضعف منه؟! كما قال تعالى في محكم كتابه: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}(النساء:76).
وفيما يخص الجن ومسألة تلبسه بالإنسان أو ما شابه، فعلمائنا يقولون: إن الجن مخلوقات أضعف من أن تقترب من الانسان، وهي لها عالمها الخاص وهي مجتمعات بحد ذاته مستقلة منها المؤمن ومنها غير ذلك، فالتفكير السليم يقول لنا أن نلتفت إلى عالمنا ولا نشغل بالنا بصراعات وهمية بيننا وبين مخلوقات عوالم اخرى!.
ثانياً: التسلح بثقافة القرآن تحفظ الانسان فالحسد نعم موجود ولكن ماذا قال تعالى: {...فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} فهل سكتت الآية وأعطت الاذن المطلق ليكون هناك سلطة من البشر على البشر؟ كلا.
حيث أكملت الآية {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ...} (البقرة:102) فنحن غالبا لا نأخذ كل شيء، ولا نتعلم من الحقائق إلا ما هو شائع ومعروف، فنقع في مغالطات وثقافات ليست صحيحة، ونرتب عليها أثر.
فكما قلنا أن الحاكمية لله سبحانه في نهاية الأمر، كما قال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (يونس:107).
فأهل الايمان هم من مصاديق قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }(آل عمران:173)، هؤلاء لم يكن منطلق تفكيرهم ما هو شائع أو ما يلقنهم إياه المجتمع، بل انطلاقهم كان من ايمان ووعي فقطعوا بذلك على من يريد أن يدخل الخوف في نفوسهم من مخلوقات مثلهم بقولهم {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }، فماذا كانت النتيجة؟! النتيجة هي انعكاس لتفكيرهم الايجابي وحسن ظنهم بربهم المهيمن على كل شيء وذلك بقوله تعالى: {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.
أما من يستجب لدعاوى الناس وتخويفهم، ولا يحصنوا انفسهم بمخافة الله ويسيئوا الظن برعاية الله وحفظه لهم يكون مصيرهم هذا {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (الفتح:6).
لذا فالإنسان الواعي هو من يعرض مشكلاته لأهل الخبرة والاختصاص من أهل التعقل والعلم، والمؤمن هو الذي يعيش حالة الأمن واستشعار إحاطة الله تعالى به ورعايته وحفظه، فيقدم مقدما هذا الاستشعار بتوثيق العلاقة بربه وسيده وصاحب هذا الوجود بأسره.
اضافةتعليق
التعليقات