خيم الحزن على قلبي كما خيم الظلام في السماء، هذا شهر رمضان المبارك وهذه سنة أخرى تضاف إلى سني البعد عن أبي، من عادات الشهر الفضيل هو اجتماع الأسر أما نحن فقد حرمنا من عطفه ولقائه وظل ابونا وحيداً، تشتعل في قلبي مرارة ألم الظلم الذي لحق به كما تشتعل جمرات نار لظى النزاعة للشوى.
ثم يأتي نسيم بارد ليصبرني ويسكنني فتارة يكون الدواء لدائي جرعة خفيفة تنير عتمة قلبي كضوء النجوم الخافت كقراءة كلماته ورسائله المعروفة وتارة أخرى تكون بجرعة اكبر كبلسم لجراحاتي كزيارة له علَّ ضمئي له يروى بوصاله ولو بعين القلب إذ إن عيني قاصرة عن النظر إلى جماله أما أنفع مسكن آلام لي هو تقديم هدية له فحين تتعلم العطاء والإيثار ستتذوق شعوراً هو أحلى من شعور الأخذ والكسب هو استشعار البسمة على قلب المحبوب ولو بشيء بسيط كالدعاء له مثلاً.
فأبي وأبو هذه الأمة هو امامنا الثاني عشر الذي لو حضر بيننا لما ظلَّ فقير ولا جائع في كل الكرة الأرضية فكم إنها غصة عظيمة حين نجوع ونعطش ونستشعر بآلام الفقراء في هذا الشهر الكريم ونعلم أن هناك من بيده سيزيل كل آلامنا سيسود العدل ويعم الأمن ويتحقق كل ماهو جميل ومرجو، إن ظهر ولكنه غائب فنتأوه ونقول ليت الجميع يدعو له، ليت الجميع يستشعر الحاجة إليه، ليتهم يبحثون عنه وعن معرفته وصفاته وسيرته التي هي كسيرة جده أمير المؤمنين عليه السلام ولكن أنى لهم ذلك وهم مشغولون بالدنيا فعن أمير المؤمنين عليه السلام من اشتغل بغير المهم ضيع الأهم انكمش قلبي فجأة، ألم حاد في صدري، ضيق في التنفس وضعت يدي على قلبي أغمضت عيني تخيلت ضريح سيد الشهداء عليه السلام والكلمات المكتوبة داخل الضريح صرت أرددها:
اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ ورَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ؛ وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِـي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ.
كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ، وَيَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ؛ أَنْزَلْتُهُ بِكَ، وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ؛ فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي، وَكَشَفْتَهُ، وَكَفَيْتَهُ. فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَمُنْتَهَي كُلِّ رَغْبَةٍ.
هذه الكلمات التي قد قالها الإمام الحسين عليه السلام حينما نظر إلى الأعداء وهم كالسيل والآن حال ولده كحاله يبحثون عنه الأعداء لكي يطفئوا نوره ويحرموا أمته منه كما قد حرموهم من آبائه قبله.
فتحت عيني، رأيت القمر قد شارف على الأفول، صرت أحدثه، أخبرني عن نفسك وعن أرض السواد هذه، أخبرني عن هذه الزهرة وتلك الذرة، بينما كان يحدثني بزغ الخيط الأول من الفجر وحينما وصل لحديثه عن الذرة أعلن رحيله وقدومه في الليلة القادمة ولكن أنى لوحدتي بالاصطبار، لليلة اتجهت نحو الذرة طلبت منها أن تحدثني عن نفسها شَرَعَتْ بالحديث:
أنا ذرة فايروسٍ مستحدثة أجوب كافة بقاع العالم أصيب شخصاً فلا تظهر فيه الأعراض أمام الملأ ولكنه يعلم بنفسه أنه مصاب، أستقر في الوتر الحساس منه فأنغرس في قلبه وأنمو هناك، لي تاريخ حافل منذ القدم من زمان أبو البشر تأتي عليّ فترات أضمحّل أو أتقوقع في أماكن دون أخرى، كافحوني مراتٍ ومرات وفي كل مرة أوشك أن أنتهي ولكنني أصارعهم وأعود للحياة بشكل مختلف إلا إنني أخاف من يوم موعود أعلم فيه بأنني سأباد نهائياً.
لازال ذلك اليوم عالقاً في ذاكرتي حينها جعلت أناس ذاك الزمان يقدسون السحرة ويعبدون رمز القوة فرعون ولكن لم يدم الحال فبقدوم موسى بن عمران ومامعه من آياتٍ بينات وعصاه التي تلقف مانؤفك هزمنا شر هزيمة ولم يؤثر ذلك علي، انتظرت فترة من الزمن وعدت إليهم بلونٍ جديد وقوةٍ أعظم مما سبق.
لقد علمت أنني لن أستطيع قهرهم بالسحر فقررت أن اشنَّ حرباً على عقولهم بالعلم، وليس أيُّ علم وإنما علمٌ إنساني يحتاج إليه الجميع فظهرت بعلم الطب وبالإخبار عن الغيبيات، استطعتُ أن أحيي الميت قبل أن يبرد جسمه وقدرت أن أفحص المريض بمجرد إلقاء نظرة على وجهه فأخبرهم عما أكل المريض أو فعله، فزرعتُ بوسائلي شك المؤمنون في مقدرة عيسى بن مريم على دحري.
ولكن وكالعادة المريرة نَصَرَّ الله رسوله فظهر عيسى بن مريم بالعلم المتفوق فقال: انا أبرئ الأكمه والأبرص وسائر المصابين بالأمراض المستعصية لا بالدواء وإنما بمجرد مسحة يد، وأحيي لا الميت الذي لم يبرد جسمه بعد فقط وإنما أحيي كل الأموات حتى الميت الرميم، وإني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وهنا ما لايدعيه طبيب إني أخبركم لابما أكله المريض أو فعله فأصيب فحسب وإنما أخبركم بماتأكلون وماتدخرون في بيوتكم.
وبعد الفشل الذريع أتظنون أنني استسلمت؟، كلا بالطبع عدت كراراً ومراراً من غير كللٍ أو ملل حتى جاء اليوم الذي دخلت فيه قلب النميري شعرت بدخولي أن هذه الآية تنطبق عليه: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا.
مع أنه ممن قد صحبوا الإمام الحسن العسكري إلا إنه حين توفى ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان صاحب الإمام المهدي وادعى البابيه وقال بالتناسخ والغلو في الإمام الهادي إذ قال فيه بالربوبية وجعل الإجابة للمحارم وحلل نكاح الرجال بعضهم بعضا متعللاً بأن الفاعل هو إحدى الشهوات ثم افتضح أمره بما ظهر منه من الإلحاد والجهل.
بعدها تحولت إلى الحلاج وزدت الطين بلة فادعى أنه وكيل صاحب الزمان وبذلك استجر الجهال واحداً بعد آخر إلى إن وصل إلى من ظن أنه كغيره ممن خدعهم ولكن أبو سهل كان شخصاً نافذاً ذكياً لم تنطلِ عليه الحيل فحين راسله الحلاج قائلاً له: إني وكيل صاحب الزمان وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ماتريده من النصرة لك لتقوي نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر.
أرسل إليه أبو سهل: إني أسألك أمراً يسيراً يخف مثله عليك في جنب ماظهر على يديك من الدلائل والبراهين وهو أني رجل أحب الجواري وأحبو اليهن ولي منهن عدة والشيب يبعدني عنهن وأحتاج أن أخضبه كل جمعه وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلا انكشف أمري عندهن وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤونته وتجعل لحيتي سوداء فإني طوع يديك وصائر إليك وقائل بقولك وداع إلى مذهبك مع مالي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.
فلم يرد عليه الحلاّج وصيره أبو سهل أضحوكة وأحدوثة يطنز به عند كل أحد وشهر أمره عند الصغير والكبير وبذلك خسرت تلك الورقة أيضاً، قد يظن البعض أن أبو سهل هو من فضح الحلاج وتسبب في خسارة ماء وجهه في المجتمع ولكن الحقيقة أن الحلاج هو من تسبب لنفسه في ذلك وذلك بوعد الله على لسان السيدة زينب إنما يفتضح الفاسق ونحن نعلم بذلك ولكننا لا نعمل بمانعلم.
وها أنا الآن أطوف من ضمير إلى آخر ولا يصعب عليَّ إلا ضمائر الكبريت الأحمر وكيف أقدر عليهم وهم الثابتين في هذا الزمان إذ قال رسول الله: إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها من بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطا كما ملئت ظلماً وجورا والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيرا إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: المؤمنة أعز من المؤمن والمؤمن أعزُّ من الكبريت الأحمر فمن رأى منكم الكبريت الأحمر؟؟
- ذرات أشعة الشمس: وما المقصود من الكبريت الأحمر؟
⁃ ذرة الفايروس: الكبريت الأحمر هي مادة كيميائية تبدل النحاس ذهباً وهي أغلى من كل شئ، ويقول أرسطو وابن البيطار أن الكبريت الأحمر يضيء ليلاً ويرى ضوءه على بعد فراسخ عدة مابقي في موضعه، ويقول الجاحظ بندرة هذا النوع من الكبريت والمشهور أن الكبريت الأحمر هو الجوهر الذي يطلبه أصحاب الكيمياء وهو الإكسير. وقد سرني قول الإمام الصادق: الناس كلهم بهائم (ثلاثاً) إلا قليل من المؤمنين، والمؤمن غريب (ثلاث مرات).
وبما أنني لم أستطع أن أؤثر في الضمائر التي هي أعز من الكبريت الأحمر احتوشت بمن يحيطونهم من كل جانب وجعلتهم يتركون أغلى مايملكون ويشتغلون بمايضيعون به دينهم فجعلت بذلك من هم أعز من نادري الوجود غرباء يذاب قلبهم في جوفهم كما يذاب الملح في الماء بما يرون من منكر فلا يستطيعون تغييره،
إذ قال رسول الله في بيان أشراط الساعة: وبيع الدين بالدنيا فعندها يذاب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء بمايرى من المنكر فلا يستطيع أن يغير.
عاد الألم ثانية ربما علي أن أغلق كتاب كلمة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف للسيد حسن الشيرازي وأتجه للترياق، آه ذرات الغبار التي على الكتاب جعلتني أنسج من ماورد في صفحات الكتاب بذرة الفايروس آملتاً أني مسحت الغبار ونظفته، ستزول ذرات الفايروس من القلوب المريضة أيضاً ويسود السلام في العالم. صبراً ياجراحي أعلم أنك تريدين الترياق من زيارة الندبة حسناً، بسم الله الرحمن الرحيم.. آمين آمين من لي إلا انت فيما دنت، واعتصمت بك فيه، تحرسني فيما تقربت به إليك، ياوقاية الله وستره وبركته، أغثني أدنني أعني أدركني، صلني بك ولا تقطعني.
اضافةتعليق
التعليقات