إن ابتعادنا عن ثقافة السماء، جعلنا أرضيين، وأرضيين جداً في تعاملاتنا، وعلاقاتنا!.
فتعالى سبحانه قد سن لنا قوانين في التعامل مع الاخر، وفي كيفية النظر لهم، فخاطبنا جميعاً كأنسان بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...} (الحجرات:13).
نحن لم نتجاوز بعد مرحلة الفروق في التعامل بين الأجناس! فكيف بنا إن أردنا الحديث عن اختلاف المعتقدات ووجهات النظر والتوجهات والأفكار.
وربنا عز وجل بَيّن لنا أساس قويم وفيه سر سعادة جميع الأطراف، وهو أن تكون العلاقات مبنية على أساس "التعارف".
فمفهوم التعارف يفتح أمامنا افاق واسعة حول الانفتاح على الآخر، ووجود حالة من التقبل وحسن الاصغاء والاستماع.
بلى! ماذا يضير لو نظرت فيما يحمل الطرف الآخر من فكر ومعرفة، ولم تنظر إلى مسماه، أو توجهه، أو انتمائه.
فإن قلت أيها الكريم الفاضل أخشى على نفسي، وعلى سلامة فكري وما إلى ذلك مما ينتجه التقارب والتعارف بين مختلف التوجهات والشرائح من بني البشر؟
نقول أن الله تعالى الحكيم الخبير لم يترك لنا هذا القانون والأساس مفتوح بل أطره بإطار يحفظ لنا سلامتنا الفكرية والمعرفية بقوله: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (الزمر:18).
فالإنسان الواعي هو الذي يكون من أهل الاستماع، وبنفس الوقت من أهل الانتقاء، فلا يستجيب لفكرة أو ثقافة من دون أن يعمل لها غربلة، فيأخذ الجيد منها، ويترك الغير جيد منها، مع احترام حامل تلك الأفكار كإنسان.
المهم أن لا نوجد حالة التقاطع والمشاحنة بيننا، فهذا قد سبب فجوة معرفية، وتراجعاً كبيراً في نهضتنا العلمية.
حتى سلبنا كمجتمعات دينية من نعم الانتفاع من علم العلماء، فنحن قبل أن نستمع لما يُطرح ننظر إلى أي جهة ينتمي! فإن لم يكن له معنا انتماء قطعنا الاتصال، وتبنينا الاعتزال، ورميناه بآلاف السهام والنبال، من كلام الذم والقدح وكونه من غير ذوي الالتزام!.
مع أننا لم نعطِ لنفسنا حتى فرصة الاستماع، هكذا عبثاً نحكم على المسمى قبل أن نفهم ما هو المحتوى.
نعم! بتنا نُقيم على المظهر والتوجه قبل الأثر المثمر الذي يَحمله هذا المؤثر.
كلنا نقرأ هذه الكلمة، ولكن كم منا وعاها وطبقها، فَسر قلب مولاه صاحب العصر والزمان (عج)، تلك الكلمات التي صدرت من الناحية المقدسة في رسالته للشيخ المفيد والتي جاء فيها:
"ولو إن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا،..." (١).
هل رأيتم كم إن إمامنا يتكلم بوجع وقلب منكسر، إنه يقول لنا: لما كل هذه الفرقة؟! اجتمعوا بالقلوب، وإن اختلفت التوجهات والأفكار، لتبلغوا بذلك السعادة، واليمن باللقاء، أنت يا من تدعي الانتظار والتمهيد، إن كنت متقاطعاً ونافراَ ممن لا ينتمي لجهتك وتوجهك؟ كيف لك أن تتوقع أن تكون ممن يعجل بظهور امامه؟ أو ممن لا يؤذي قلب إمامه؟!
نسأل الله يجمع قلوبنا بعد كل هذا التشتت، فنقر عيوننا باليمن بلقاء المرتقب المُنتظر عجل الله تعالى فرجه.
اضافةتعليق
التعليقات