كثر الحديث في مصر في الآونة الأخيرة عن اتجاه وزارة التموين لإنتاج الخبز المدعم باستخدام خليط من دقيق القمح والبطاطا الحلوة كإحدى الخطط لتقليل استيراد القمح الذي تأثر بتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
لكن بعض المصادر التي تحدثت إليها بي بي سي أكدت أن هذه الخطوة لم تستكمل دراستها بعد بالإضافة إلى وجود تحفظات عدة على استخدام البطاطا في إنتاج سلعة استراتيجية كالخبز في مصر، كما أن التجربة الوحيدة التي عجت بها وسائل الإعلام لإنتاج الخبز من البطاطا في محافظة الوادي الجديد (جنوبي البلاد) كانت مبادرة فردية لأحد الأفران ولم تحظ بموافقة رسمية حتى الآن.
تسرع في الإعلان
في السادس والعشرين من يونيو/ حزيران الحالي خرج وزير التموين المصري، علي مصيلحي، في مؤتمر صحفي لعرض استعداد وزارته لتوفير المنتجات الأساسية، وتطرق إلى احتياطي القمح في البلاد وطرق زيادة إنتاج الخبز دون اللجوء إلى رفع معدل الاستيراد.
وعرض مصيلحي طريقتين تدرسهما الوزارة لتحقيق ذلك وهما استخراج مزيد من الدقيق من الحبوب واستخدام البطاطا في صناعة الخبز.
مصيلحي عاد ليؤكد في تصريحات جديدة في أغسطس/آب الجاري أن وزارته تدرس إمكانية إقامة مصانع لإنتاج عجينة البطاطا وشبكة لتوزيع هذا المنتج، واصفا فكرة إضافة البطاطا لرغيف الخبز "بالعظيمة".
وضجت وسائل الإعلام المصرية بفكرة البطاطا الحلوة وتكاثر المحللون المؤيدون لاستخدامها كبديل أقل سعرا وأكثر بعدا عن سلاسل توريد القمح المتذبذبة حول العالم خلال الأشهر الأخيرة.
ولتتبع أين تقف وزارة التموين حاليا في هذه الدراسة وإمكانية تطبيقها، تحدثنا إلى مدير المكتب الإعلامي بوزارة التموين والتجارة الداخلية، رمضان الشحات، الذي قال إن الملف "لا يزال يُدرس" من قبل مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، وعندما يوافق المركز عليه ستبدأ الوزارة في الإنتاج وستشرف على الكميات المنتجة من هذه الخلطة في المخابز، بحسب الشحات.
كما سألنا مصدرا بوزارة الزراعة المصرية، فضل عدم ذكر اسمه، عن هذه الخطة فقال إن مركز البحوث الزراعية فوجئ بإعلان وزير التموين.
وأضاف المصدر أن وزارة التموين طلبت من باحثين في مركز البحوث الزراعية إعداد دراسة عن الفكرة إلا أن المركز فوجئ بإعلان وزير التموين عنها دون الانتهاء من هذه الدراسة أو تقديم توصية بها، متابعا أن هناك العديد من التحفظات على استخدام البطاطا في رغيف الخبز.
صاحب دراسة استخدام البطاطا في الخبز هو عبد المنعم الجندي الذي قال لبي بي سي إن دراسته سُجلت بمركز البحوث الزراعية عام 2000 لكنه لم يحصل على شهادة بها.
وهو ما أكده المصدر الذي تحدثنا إليه من وزارة الزراعة، إذ قال إن دراسة الجندي جرت بشكل فردي ولم تصدر من مركز البحوث الزراعية توصية بها.
وتابع الجندي في حديثه أنه بدأ العمل على الدراسة منذ نحو عشرين عاما، حيث قام بتهجين أنواع من البطاطا الحلوة وتغيير خصائصها بحيث يتم تقليل نسب السكر فيها ورفع نسب فيتامين "أ" والكربوهيدرات.
وأوضح الجندي أنه أنتج بالفعل خبزا من هذا الخليط مشابه تماما للخبز العادي من القمح بالإضافة إلى أن جودته العالية، وتابع أنه استخدم في خليطة بطاطا بنسبة من 40 إلى 60 في المئة والباقي من القمح.
تحفظات على البطاطا الحلوة
تزرع مصر نحو 31 ألف فدان سنويا من البطاطا الحلوة، وتنتج منها نحو 450 ألف طن سنويا، بحسب إحصاء لوزارة الزراعة عام 2019.
إلا أن البطاطا محصول صيفي، ما يعني أننا لا نستطيع الاعتماد عليه طوال العام في إنتاج الخبز بحسب مصدر وزارة الزراعة، الذي أضاف أن خصائص البطاطا تحتاج لمجهود كبير لتلائم الخبز فهي تحتوي على نسبة عالية من السكر كما أنه لا بد من سلقها قبل وضعها مع الدقيق ما يزيد من فرص نمو الفطريات بها وقد يتسبب ذلك في مخاطر غذائية.
وتابع المصدر أن المساحات المخصصة لزراعة البطاطا قليلة، وإذا اعتمدت الدولة خطة استخدامها مع الدقيق ستضطر لتخصيص مساحات أخرى لزراعتها وغالبا ستكون بديلا للمساحات المستخدمة لزراعة الذرة وهو ما قد يؤثر على الأعلاف المخصصة للماشية والتي تعاني مصر من فجوة فيها بالفعل بسبب الأزمة الأوكرانية.
مبادرة فردية
بعد إعلان وزير التموين المصري عن خبز البطاطا الحلوة ظهرت على السطح تجربة قام بها مخبز تابع لوزارة التموين قبل نحو عامين في محافظة الوادي الجديد، إذ أنتج مالك المخبز خبزا من البطاطا الحلوة.
واستضافت العديد من وسائل الإعلام المصرية، عوض جمعة، مالك المخبز الذي يقع بقرية الشيخ والي بمنطقة الداخلة في محافظة الوادي الجديد، حيث زار محافظ الوادي الجديد، محمد الزملوط هذا المخبز قبل نحو عامين وشجع تجربة صاحبه بل وطالب بتعميم هذه التجربة بباقي مخابز المحافظة، بحسب منشور لمحافظة الوادي الجديد على موقع فيسبوك.
وذكر المنشور أن المخبز أنتج خبزا من دقيق القمح بنسبة الثلثين والبطاطا بنسبة الثلث في الرغيف . إلا أن جمعة في حديثه لبي بي سي نيوز عربي أكد أن تجربته كانت مبادرة فردية ولم تحظ بموافقة رسمية للقيام بها وبيع خبز البطاطا داخل منفذ وزارة التموين في المحافظة.
وتابع جمعة أن المحافظ عندما زار مخبزه أعجب بالفكرة وشجعه من خلال تخصيص أرض له لزراعة البطاطا، لكنه لم يعط موافقة رسمية.
وأضاف أن هناك بطاطا مهجنة تباع في الأسواق بالفعل وقد جرب جميع أنواعها في وقت فراغه، وكانت الأفضل هي البطاطا البيضاء إذ يسلقها ويضيفها للدقيق ومن ثم يعجن المزيج وينتج رغيفا لا يستطيع المواطن تمييزه عن أي رغيف قمح عادي، بحسب جمعة.
وقال إن النسب تتراوح بين 25 إلى 35 في المئة للبطاطا والباقي قمح، ولكن العمل يحتاج لعجان ماهر.
الكرة في ملعب وزارة التموين ثانية
ينتقد بعضهم ما يصفونه بتخبط في خطوات وزارة التموين المصرية للتعامل مع أزمة تلوح في الأفق لنقص واردات القمح إلى البلاد، وفكرة البطاطا الحلوة إحدى هذه التخبطات في نظرهم. ففي الوقت الذي تقول فيه وزارة التموين إنها بانتظار موافقة وزارة الزراعة على الدراسة قال المصدر الذي تحدثنا إليه من وزارة الزراعة إن هذه الدراسة من المفترض أن تمولها وزارة التموين وليس الزراعة، فمسؤولية وزارته تقف عن أخذ طلب وزارة التموين لتزويدها بكميات محددة من البطاطا والتعاقد من المزارعين، وما بعد ذلك من مزج لخليط ما لصنع الخبز هو مسؤولية وزارة التموين دون غيرها. حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات