المقالب بين الأصدقاء، تعتبر المتنفس او الملاذ الوحيد لكسر الروتين وتجاوز الرتابة في الحياة اليومية، فبين ضغوط الحياة العملية يجد الكثير من الناس المتعة في عمل مقالب وخلق أجواء من المرح بين أصدقائهم، وذلك لغرض الترفيه والخروج من دائرة الرتابة.
ولكن في الآونة الأخيرة لاحظنا انتشار فيديوهات كثيرة وثقت المقالب التي قام بها الشباب مع اصدقائهم، فالمقالب التي يصنعونها تشي بخطورة كبيرة ومبالغة جداً، واحياناُ تعرض حياتهم الى الخطر فيدفعون على أثرها الثمن غاليا، ويتحول غاية المقلب الفكاهي من المرح الى نهاية مأساوية.
ولمعرفة اراء الناس والتجارب التي حصلت معهم في عالم المقالب التقت بشرى حياة مع شريحة عامة من الناس، حيث قالت زينة علي (٢١ سنة): " انا شخصياً أحب ان يكون لكل شيء حدود في حياتي، خصوصاً ضمن إطار علاقاتي مع الناس، ولا أحب المقالب الثقيلة التي يفتعلها الناس مع اصدقائهم فينقلب على اثره الضحك الى بكاء، وربما المقلب الذي تعرضت اليه ولم انساه ابداً، هو ان في أحد الايام اتصل رقم مجهول على والدي وقال بأن اخي الأصغر قد اختطف، وانهم سيقتلونه لو لم ندفع لهم المبلغ الفلاني، والذي كان عبارة عن رقم خيالي، لم يملك والدي في ذلك الوقت العشر منه، فأتذكر يومها بأن والدي اصفرَّ من هول الموقف.. وأنهى المكالمة وهو يفكر بالمبلغ الذي لا يدري كيف سيتدبره، وكاد يفقد توازنه ويسقط ارضا بسببه، الى ان اتصل اخي من هاتفه وقال بان ما حدث هو مجرد مقلب افتعله مع أصدقائه لغرض التسلية!، حقيقة كان مقلباً سخيفاً جداً، وكاد ينهي حياة والدي بسبب فرط الرعب الذي سيطر عليه بسبب هذا المقلب التافه!".
امّا فاطمة هاشم (٣٤سنة) قالت: حقيقة انا احب المقالب جداً، لأنها تخرجنا من حالة النمطية التي نعيشها على طول اليوم، وتخلق جواً جميلاً من المرح والسعادة وتعمق من العلاقات بين الأصدقاء، ولكني في المقابل افضل المقالب الخفيفة التي لا تسبب احراجاً او خطراً على الطرف المقابل، ولا تعرض حياة احد للخطر، لأن كما يقول المثل "كل شيء يزيد عن حده يقلب ضده"، والمقالب كذلك لو زادت عن حدها المعقول ستربك العلاقات وستخلق جواً من التوتر بين الأصدقاء خصوصاً لو تسبب المقلب بالسخرية من احد او حاول التقليل من شأن شخص امام مجتمع، ومن اكثر المقالب التي ضحكت كثيراُ بسببه هو المقلب الذي افتعله مجموعة من الأصدقاء مع صديقهم المقرب الذي كان كثير الاهتمام والتأنق أثناء زياراته لعروسته وحينما اقترب الموعد المحدد للزواج طلبوا منه أخذه في رحلة برية وكانوا قد اتفقوا على ذبح خروف هناك وأوكلوا له هذه المهمة وبينما هو منغمس في السلخ إذا بخطيبته تشاهده وهو في ذلك المنظر، وملابسه متسخة تماماً، فقد قاموا اصدقاءه بدعوتها ودعوة أهلها الى هناك، فما كان منه إلا أن اسقط السكين وشطح فكره بعيدا لأكثر من نصف ساعة ليشاهدوا بعدها دموعا تترقرق من عينيه وسط ضحكهم وضحك زوجته الذي أضحكه أخيرا ليتحول بعدها إلى وحش هائج يتوعدهم بأغلظ الايمان أن ينتقم منهم بمقلب اقوى من هذا الذي صنعوه له".
هل تؤثر المقالب على طبيعة العلاقة بين الناس؟
لا شك بأن المقالب الخفيفة تخلق جواً من التسلية والمرح بين العالم، ولكن هنالك بعض الناس حساسين جداً لدرجة تجنب الطرف المقابل من التعامل معهم برسمية وعدم صناعة أي مقلب معهم، فالحذر الحذر من صناعة المقلب مع أناس ليس لهم القدرة على تحملها، لأن مقلب صغير قادر على انهاء علاقة صداقة استمرت على طول سنوات من العمر.
كما ان العنف بشقيه (اللفظي والجسدي) المستخدم في المزاح من الممكن ان يخلق جواً مربكاُ بين العلاقات، او يصنع كوارث وارتكاب جرائم، اذ ان هنالك الكثير من المواقف التي بدأت بالمزاح انتهت بشجار كبير أودت بحياة ناس كان غرضهم الاول هو المرح، فأنتهى الأمر بهم الى السجن او الموت.
كذلك من المهم مراعاة مشاعر الاخرين وعدم المساس بشخصيتهم في سبيل اضحاك الناس، وعدم السماح بتحول المزحة الى سخرية او استهزاء، اذ يقول الله سبحانه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ) الحجرات/ 11.
فالحذر والدقة في التعامل مع الناس يبقى امراً ضرورياً للحفاظ على طبيعة العلاقات في المجتمع، كما ان هنالك مقالب سخيفة جداً، تتمحور حول كيان الاسرة والعائلة، تبدأ من نقطة المزح وتنتهي الى الطلاق وهدم أسر كاملة..
ويبقى الاعتدال امراً مطلوباً في كل شيء ولا سيما المقالب، لأن الامر الذي من الممكن ان يربك علاقاتنا بأصدقائنا واهلنا او يعرض حياتنا الى الخطر ليس سبباً للمرح او السعادة، وفي المقابل تبقى المقالب الخفيفة التي لا تسبب الاذى لأحد، هي التي تصنع جواً جميلاُ فكاهياً وتترك اثراً طيباً في قلوب الناس وذاكرتهم.
اضافةتعليق
التعليقات