التربية عنصر هام جدا وفعال في سبيل النهضة والصلاح، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أم المستوى الجماعي، فإن صلح الفرد صلح المجتمع، إذ أن المجتمع عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يرتبطون فيما بينهم بعلاقات مختلفة وهامة، منها العلاقات في محيط الأسرة أو المدرسة أو العمل وغيرها من الأمثلة المختلفة.
ولعل من أكبر المشاكل التي تواجه المجتمع في هذا الزمن والتي من الممكن أنها تتسبب في انحدار كبير في مستوى الطفل الأخلاقي والصحي والاجتماعي أيضا هو اعتماد الأم على الخادمة في كل ما يخص الطفل من عناية واهتمام، وربما في بعض المنازل أصبح لكل طفل خادمة مسؤولة عنه تهتم به وبشؤونه بينما تقضي الأم يومها ما بين العمل والمجاملات الاجتماعية متناسية حق ذلك الطفل في التربية الصحيحة السليمة التي بالتأكيد لن تجيدها تلك المرأة الغريبة التي قدمت من بيئة مختلفة ومن وطن مختلف في الدين والعادات وأيضا في اللغة.
وانتشرت في الآونة الأخيرة تلك الأفكار الدخيلة على الدين وعلى المجتمع التي تدعو المرأة إلى التحرر من الارتباط بأولادها بالمنزل وتدعوها إلى التفرغ للعناية بنفسها وجمالها وأن تربيتها للأولاد لن تعود عليها بالفائدة لأنهم في النهاية سوف يكبرون ويتزوجون ويتفرغون للاهتمام بأزواجهم وأولادهم وتكون هي في حينها كبرت وقلت صحتها بسبب عدم اهتمامها بنفسها.
بالطبع إن هذا مفهوم خاطئ، وبعيد كل البعد عما يدعونا إليه الدين بالإضافة إلى ما يدعونا إليه العقل وما يمليه علينا واجبنا الشرعي نحو المجتمع، ولنا في فاطمة الزهراء عليها السلام أسوة، في التربية والتضحية، فهي مثال للأم المربية، التي لم تهمل تربية أولادها كما أن اهتمامها لم يكن فقط منحصرا في ذلك فقد كانت عليها السلام لم تتهاون أبداً في صلاتها وعبادتها في الليل وأعمالها المنزلية في النهار، ويذكر في الروايات أيضا أنها كانت عليها السلام تجمع النسوة عندها لتعليمهن العلوم التي كانت تستقيها من أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله.
روي أنه بينما النبيّ صلّى الله عليه وآله والناس في المسجد ينتظرون بلالاً أن يأتي فيؤذّن، إذ أتى بعد زمان، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله: ما حَبَسك يا بلال؟ فقال: إنّي اجتزتُ بفاطمة عليها السّلام وهي تطحن واضعةً ابنها الحسن عند الرَّحى وهي تبكي. فقلتُ لها: أيُّما أحبّ إليك: إن شئتِ كفيتُكِ ابنك، وإن شئتِ كفيتك الرَّحى.
فقالت: أنا أرفق بابني، فأخذتُ الرحى فطحنتُ، فذاك الذي حبسني، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: رحمتَها رحمكَ الله.1
تشير هذه الرواية إلى أن تربية الطفل تكون منوطة بالأم بالدرجة الأولى وأنه لا أحد أفضل من الأم في تقدير أمور واحتياجات طفلها، وعلينا كأمهات ومربيات في هذا المجتمع أن نقتدي بها عليها السلام من هذا المنطلق، لكي يكون نتاج هذه التربية أجيالا قد تأسسوا تأسيساً متوازنا وصحيحاً وكاملاً.
اضافةتعليق
التعليقات