من الصعب ان تشعر بالسجن وانت تعيش في حرية مطلقة والاصعب منه ان تكون سجين وتصف الحرية فكلاهما لايعرف معنى الاخر الا بعد ان تفقده، وفي كل مكان من هذه الارض تجد بقعة لايرى فيها النور، من يدخلها مفقود والخارج منها مولود، يمارس فيها انواع التعذيب الجسدي الوحشي والنفسي حتى ان بعضهم يفقد عقله او يصاب بمرض ويموت على اثره، على اختلاف نوع السجن ومكانه فمنهم من يسجن لانه ارتكب جريمة جنائية واخر يسجن لانه معارض سياسي واخر لدعوة قضائية او افعال اخرى، وعليه يكون عقابهم السجن لمدة من الزمن قد تكون سنة او مدى العمر اي (مؤبد).
وليس كل من دخل السجن فهو ظالم او جاني قد يكون مظلوم او هناك من افترى عليه كما يقال في المثل الدراج (ياما في السجن مظاليم)، كالذي يدخل لاتهامه في قضية دينية معارضة كما شاهدنا في بعض الدول العربية فهناك بعض الدول العربية مارست انواع التعذيب في حق ابناء شعبها فقط لانهم رفضوا نظام السلطة، ففي احصائية عربية كانت البحرين المركز الأول عربيًا في نسبة عدد السجناء، إذ وصل رقمهم في مؤسساتها السجنية حوالي 4 آلاف سجين، بمعدل 301 من كل مئة ألف من السكان، بينما في واشنطن, سبتمبر (آي بي إس) - يبلغ عدد السجناء في الولايات المتحدة زهاء 2.4 مليون سجينا -ما يعادل نحو 25 في المئة من كافة السجناء في العالم- إضافة إلى أكثر من سبعة ملايين فردا يعيشون تحت "الرقابة الإصلاحية".
أظهرت آخر إحصائيات أجراها المركز أن عدد المساجين في العالم تجاوز 10.2 ملايين شخص. وبينما تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية لائحة الدول من حيث عدد السجناء، جاء المغرب ومصر والجزائر في مقدمة الدول العربية، مع الإشارة إلى أن إحصائيات السجناء في مصر تعود إلى العام 2011.
هناك الآن نحو 10 ونصف مليون مسجونًا حول العالم، منهم 2.2 مليون في أمريكا وحدها، ومنذ عام 2000 زادت نسبة المساجين حول العالم نحو 20%، وزادت نسبة النساء منهم نحو 50%، وزادت نسبة الرجال أيضًا بحوالي 18%.
متى نشأ أول سجن في العالم؟
"في بلاد الرافدين ومصر، في هذه الآونة كانت السجون عبارة عن زنازين تحت الأرض، وكان مصير المساجين إما الإعدام، أو أن ينتظروا أمرًا ليصبحوا عبيدًا."
"غيرت اليونان الوضع قليلًا، فتحولت الزنازين المظلمة والأسوار العالية إلى وحدات خشبية، يوضع بها المساجين، مسلسلين بالأصفاد في أقدامهم، وسمحت لأقاربهم وأصدقائهم بالزيارة".
"في أوروبا ظلت أحوال السجون قاسية، حتى بداية الملَكية الإنجليزية، في تطبيق نظام أكثر عدلا. في عام 1166 شيد هنري الثاني ملك إنجلترا أول سجن، وبالتوازي أدخل بعض الإصلاحات القانونية، ووضع أول مسودة عُرفت بعد ذلك بنظام المحلّفين."
"تُعرف لندن على أنها مكان ميلاد السجون الحديثة. بدأ الأمر منذ القرن الـ19 في إنجلترا؛ الفيلسوف جيرمي بنثام «1748-1832» كان صاحب فكرة إرسال المدانين للسجن باعتباره عقابًا، لأنه كان ضد عقوبة الإعدام."
بعد هذه المعلومات ستعرف عزبزي القارئ ان من يدخل السجن لابد ان تكون عليه جرم او اتهام، لا من نحن في صدى ذكراه مولانا الامام الكاظم عليه السلام دخل السجن وهو بريء كما نبي الله يوسف عليه السلام قضى جزءاً من حياته في السجن، من زنزانة الى اخرى.
حياته العلمية
كان عمر الإمام موسى بن جعفر 55 عاماً، قضى منها 20 عاماً في حياة والده جعفر الصادق و35 بعد وفاته. وقد عاش تلك الفترة في زمن أبيه وارتاد مدرسته العلمية الكبرى التي أنشأها في الكوفة، والتي خرّجت الآلاف من العلماء والفلاسفة والفقهاء والمحدثين.
حتى قال الحسن الوشّاء عند مروره بمسجد الكوفة: «أدركت في هذا المسجد 900 شيخ كلهم يقول: "حدثني جعفر بن محمد"»، وترعرع الامام الكاظم في هذا الجوّ العلمي المشحون بالمناظرات والنقاشات.
وكانت الفترة التي عاشها في أواخر حياة والده الصادق وبعد وفاته هي فترة علمية حساسة جداً في تاريخ المسلمين حيث سيطرت فيها الفلسفة اليونانية على الفكر العام، وكثرت فيها الاتجاهات الفكرية وتنوّعت، وامتد ذلك إلى صلب العقيدة والدين، فمن حركات تدعو إلى الإلحاد ومن حركات فلسفية تشكك في بعض العقائد الدينية، فكان على الكاظم أن يتحمل مسؤوليته من الناحية العلمية. فواصل منهج أبيه الصادق في رئاسة المدرسة التي أسسها هو وأبوه الباقر. وكانت مدرسته في داره في المدينة وفي المسجد كما كان آباؤه، فحضرها كثير من أعلام المسلمين، وتخرج من هذه المدرسة نخبة من الفقهاء ورواة الحديث، قدّر عددهم بـ(319) عالماً وفقيهاً.
الامام وزنزانة هارون
وحتى بعد أن سُجن الامام الكاظم في عهد هارون اللارشيد، فإنه لم ينقطع عن العمل العلمي فكانت الأسئلة تأتيه إلى السجن ويجيب عليها بصورة تحريرية. وخصوصاً تلك المسائل الفقهية حول الحلال والحرام، ولذا يرى بعض الباحثين أن الإمام موسى بن جعفر هو الرائد الأول في كتابة الفقه، يقول محمد يوسف موسى: «ونستطيع أن نذكر أن أول من كتب في الفقه هو الإمام موسى الكاظم الذي مات سجيناً عام 183 هـ ، وكان ما كتبه إجابة عن مسائل وجّهت إليه تحت اسم (الحلال والحرام)».
أُعتقل الامام موسى الكاظم في زمن حكم الخليفة المهدي الذي امر عامله على المدينة باعتقال موسى الكاظم وارساله لبغداد، لكن سرعان ما اطلق سراح الكاظم واعيد إلى المدينة. وتقول الروايات ان المهدي رأى حلما افزعه فقام باطلاق سراح الكاظم على الفور.
الاعتقال والسجن
استلم الحكم بعد وفاة الهادي أحد اقوى الخلفاء العباسيين هارون لا رشيد الذي لم يختلف كثيرا عن ابائه في الحرص على التضييق على الشيعة وعلى رأسهم الامام موسى الكاظم. حيث يرى الشيعة ان الائمة الاثنا عشر هم الخلفاء الحقيقيين وان لا شرعية لاي حاكم في وجودهم. وقد لعب الوشاة دورا هاما في تأجيج الوضع حيث دخل علي بن إسماعيل على هارون وقال: "ما ظنت ان في الارض خليفتين حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يُسلم عليه بالخلافة" وزاد على ذلك فأبلغ الخليفة بان الاموال تُحمل اليه من المشرق والمغرب وبان له بيوتاً من المال.
ولم يكن لهارون ان يتهاون مع مايمكن ان يهدد كرسيه وحكم آل عباس فامر باعتقال الامام موسى الكاظم، فاعتقل وهو يصلي في المسجد النبوي وكان اعتقاله في 20 من شوال 179هـ. وكانت السلطات حريصة على عدم وقوع اضطرابات فارسلت موكبان وهميان احدهما للبصرة والاخر للكوفة ليوهموا الناس عن مسير موسى الكاظم ووجهة اعتقاله، وأمر هارون بتسيير الامام موسى الكاظم ليلا وبشكل سري إلى البصرة.
أودع الامام الكاظم في سجن البصرة تحت اشراف رئيس سجنها عيسى بن أبي جعفر، طلب الحاكم من عيسى بن أبي جعفر ان يغتال الكاظم، فرد عيسى برسالة يقول فيها بانه اختبر الامام الكاظم ولم يجد منه سوءا ويطلب اعفاءه من تنفيذ هذه المهمة، فأمر هارون بحمل الامام الكاظم إلى بغداد بعد ان قضى عاماً بحبس البصرة.
لما وصل الكاظم إلى بغداد لم يحبس في السجن مع عامة الناس وانما حبس في بيت الفضل بن الربيع وبعد فترة غير معروفة امر هارون باطلاق سراح الامام الكاظم وتقول المصادر ان اطلاق السراح هذا كان بسبب رؤيا رآها الرشيد في منامه. لكن الكاظم لم يُغادر بغداد ويذهب العديد من المؤرخين بأنه كان تحت الاقامة الجبرية.
أعاد هارون اعتقال الامام الكاظم مرة اخرى وحبس عند الفضل بن الربيع مجدداً، كما اوعز هارون إلى الفضل باغتيال الامام الكاظم الا ان الفضل امتنع فامر بمعاقبة الفضل وإرسال الامام الكاظم إلى السندي بن شاهك. وبالفعل تم اعتقال الفضل وتجريده وجلده مائه سوط امام الناس حتى كاد يفقد عقله، نُقل الامام الكاظم إلى سجن السندي بن شاهك حسب اوامر الرشيد وقد جهد السندي في ارهاق الامام الكاظم والتنكيل به والتضييق عليه بكل الوسائل ابتغاء لمرضاة الخليفة. وذهب المؤرخون إلى ان الامام الكاظم قد سجن في بيت السندي، ولم يدم هذا الوضع طويلاً حتى استشهد الامام الكاظم في سجنه مسموما وكان ذلك عام 183هـ، وضع السم في الرطب وامر السندي ان يجبر الكاظم على اكله.
عمدت السلطات على تبرأت نفسها من اي مسؤولية محتملة، فعمد السندي إلى جمع 80 شخصا من السجن قبل وفاة الكاظم وطلب منهم ان يطلعوا على حال الكاظم وان يسالوه ما اذا كان احدا قد اذاه فالتفت الكاظم للشهود وقال: أشهدوا علي اني مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام، أشهدوا اني صحيح الظاهر، لكني مسموم وساحمر في هذا اليوم حمرةً شديدة، وأبيض بعد غد، وأمضي إلى رحمة الله ورضوانه فاصيب السندي بالصدمة.
اضافةتعليق
التعليقات