التعليم هو حق تنص عليه المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تدعو إلى التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي وتذهب اتفاقية حقوق الطفل، المعتمدة في عام 1989، إلى أبعد من ذلك فتنص على أن يتاح التعليم العالي أمام الجميع.
يُعرف التعليم بأنّه عملية منظمة تهدف إلى اكتساب الشخص المتعلم للأسس العامة البانية للمعرفة، ويتم ذلك بطريقة منظمة ومقصودة وبأهداف محددة ومعروفة، ويمكن القول أن التعليم هو عبارة عن نقل للمعلومات بشكل منسق للطالب، أو أنّه عبارة عن معلومات، ومعارف، وخبرات، ومهارات يتم اكتسابها من قِبَل المُتلقّي بطرق معينة.
فالتعليم مصطلح يُطلَق على العملية التي تجعل الفرد يتعلّم علماً محدداً أو صنعة معينة، كما أنّه تصميم يساعد الفرد المُتلقي على إحداث التغيير الذي يرغب فيه من خلال علمه، وهو العملية التي يسعى المعلم من خلالها إلى توجيه الطالب لتحقيق أهدافه التي يسعى إليها وينجز أعماله ومسؤولياته.
والتعليم هو عملية يتم فيها بذل الجهد من قِبَل المعلم ليتفاعل مع طلابه ويقدم علماً مثمراً وفعالاً من خلال تفاعل مباشر بينه وبين الطلاب، وقد يحدث التعليم داخل المؤسسة التعليمية أو خارجها، وهو عملية شاملة فيشتمل على المهارات، والمعارف، والخبرات، كالسباحة، وقيادة السيارة، والحساب، والكيمياء، والشجاعة، والأخلاق، وما إلى ذلك، كما يطلق مصطلح التعليم على كل عملية تتضمن تعليم الأفراد سواء كان ذلك بطريقة مقصودة أو غير مقصودة؛ حيث إنّه من الممكن أن يكون مخطط له بشكل مسبق، أو أنّه حدث في التو واللحظة دون تخطيط مسبق؛ كأن يتعلم الفرد أموراً جديدة من خلال متابعته لفيلم معين على التلفاز.
اليوم الدولي للتعليم
أقر المجتمع الدولي عند تبنيه خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في أيلول/سبتمبر 2015 بأن التعليم ضروري لنجاح جميع أهداف الخطة السبعة عشر ويهدف الهدف الرابع، على وجه الخصوص، إلى ضمان توفير تعليم جيد وشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع بحلول عام 2030.
يمنح التعليم للأطفال سلما للخروج من الفقر ومسارًا إلى مستقبل واعد لكن ما يقرب من 265 مليون طفل ومراهق في العالم لا تتاح لهم الفرصة للدراسة أو حتى إكمالها ومع أن أكثر من خُمسهم في سن التعليم الابتدائي، إلا أنهم محبطون بسبب الفقر والتمييز والنزاعات المسلحة وحالات الطوارئ وآثار تغير المناخ وبحسب تقرير مراقبة التعليم العالمي لعام 2019 فإن الهجرة والتهجير القسري يؤثران كذلك على تحقيق أهداف التعليم.
أقرت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من خلال إعلان اليوم الدولي للتعليم الاحتفال الأول باليوم الدولي للتعليم خلال عام 2019 وبأهمية العمل لضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل على جميع الصعد ليتمكن الجميع من الحصول على فرص التعلّم مدى الحياة واكتساب المعارف والمهارات اللازمة للمشاركة الكاملة في المجتمع والمساهمة في التنمية المستدامة.
أرقام مفزعة عن التعليم في العراق
وتتحدث الأرقام عن إحصائيات مفزعة في البنية التحتية للتعليم في العراق ليس ابتداءً بمشكلة النقص في المباني المدرسية، والنقص في عدد المدرّسين وفي القرطاسية والكتب، بالإضافة إلى ازدياد عدد التلاميذ، ما يفاقم المعاناة والمصاعب القائمة، والتي تنتقل من جيل إلى جيل من دون أن تكون هناك حلول جذرية بحسب القائمين على العملية التربوية.
وتؤكد المصادر التربوية أن العاصمة بغداد وحدها تحتاج الى ألف مدرسة أما في العراق فبحاجة إلى أكثر من خمسة آلاف مدرسة في عموم أنحاء العراق وتشير المصادر إلى أن العراق بحاجة إلى أكثر من 20 ألف مدرسة بحلول عام 2022 نتيجة النمو السكاني السنوي لم تبن منها حكومات بغداد المتعاقبة مدرسة واحدة.
وتذكر المصادر إنه وعلى سبيل المثال في محافظة ديالى 1096 مدرسة، هدم كثير منها بأمر من وزارة التربية قبل سنوات عدّة على أن يعاد بناؤها، لكنّها لم تُبنَ بعد، بل تحولت إلى مساحات فارغة، بعض الأهالي تبرعوا لبناء مدرسة على نفقتهم الخاصة، لكنّ مدرسة واحدة لا تكفي الاكتظاظ متواصل في المدارس المتوافرة، وقد تحوّل كثير منها إلى دوام ثلاثي، علماً أنّ كلّ فصل يضم ما بين خمسين تلميذاً وسبعين في كلّ من الدوامات الثلاثة، وهو ما يدمر الوضع النفسي للتلاميذ مع تدمير مستقبلهم فالمدرّس لا يتمكن من إعطاء المادة حقها الذي يسمح للتلاميذ باستيعابها الاكتظاظ يؤدي بالتالي إلى انخفاض نسب النجاح في مدارس العراق عموماً.
ويرى مراقبون أن "المشكلة الكبرى لمدارس العراق أنّ الخطط والاستراتيجيات لا توضع، وإذا وضعت فهي لا تطبّق، أو تطبّق مزاجياً، وهو ما يجعل المشاكل السنوية تتراكم، سواء تلك المرتبطة بالتلاميذ أو بالتعليم وكوادره".
وفق أرقام أعلنتها وزارة التخطيط في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإن عدد العراقيين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، يبلغ 15 مليونا و428 ألف نسمة بواقع 45 بالمئة من مجموع السكان العام بالبلاد، من جانبها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن عدم التكافؤ الاقتصادي يؤثر بشكل كبير على عملية تعليم الأطفال في العراق الذي مزقته الحروب، وحضت حكومة بغداد على إنفاق المزيد من الأموال على قطاع التعليم.
وتوصلت الدراسة إلى أن حوالي 90 في المئة من الأطفال العراقيين لا يستطيعون الوصول إلى التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، ويخلق الوضع الاجتماعي والاقتصادي فجوة كبيرة بين الذين يتخرجون من المدارس الثانوية، حيث تصل نسبة المتخرجين الأكثر ثراء إلى 73 في المئة، مقارنة مع 23 في المئة فقط من الطلاب الأكثر فقرا.
وترى يونيسف أن البلاد بحاجة إلى 7500 مدرسة من أجل تحسين الوصول إلى التعليم، وقال ممثل يونيسف في العراق بيتر هوكينز إن "الأمر متعلق بالنزاع، والانهيار الاقتصادي، ونقص الاستثمارات على مدى السنوات العشرين الماضية وعندما تتراجع النوعية، فإن الأطفال أنفسهم يتسربون من الفصول الدراسية".
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن وجود 3.2 مليون طفل لا يحصلون على التعليم بشكل مستمر، وقالت اللجنة في تغريدة على حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، إن "3.2 مليون طفل عراقي لا يحصلون على التعليم بشكل مستمر".
على صعيد قطاع التعليم تشهد الإحصاءات الوطنية الشاملة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2016-2017 وهي آخر ما تمّ إطلاقه، حتى وإنْ حسبت بأيسر الطرق وأقلها تشدداً، على تحديات لا تقل خطورة فقد سجل عدد الطلبة المقبولين والموجودين على مستوى التعليم الإبتدائي أكثر من ستة ملايين ونصف المليون طفل وصل منهم 53% فقط إلى مرحلة التعليم الثانوي بمرتبتيه المتوسطة والإعدادية.
أي أنّ 47% من هؤلاء الطلبة أكتفوا بالتعليم الإبتدائي دون أنْ يعني ذلك أنّهم حصلوا على شهادة المدرسة الإبتدائية وإنّما تسربوا وتركوا الدراسة لأسباب عدة، وصل من هؤلاء 23% فقط مرحلة التعليم الجامعي وما يعادله على مستوى المعاهد ومراكز البحث العلمي نتيجة حدوث حالات تسرب واسعة وجديرة بالقلق، وهذا ما يشير بصورة مؤكدة إلى تآكل خطير في رأس المال البشري للمجتمع العراقي، بيد إنّ الخطورة لا تقف عند هذه الجوانب وإنّما تتعداها إلى نوعية الإحصاءات التي يقوم الجهاز المركزي بجمعها وتقديمها والتي يفترض أنْ توفر قاعدة بيانات أساسية لأية عملية تنموية مخطط لها يمكن أنْ تشرع بها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
وهناك الظواهر النوعية المستجدة التي ارتبط أحدثها بحصول أعداد كبيرة من خريجي المدارس الثانوية في السنوات الأخيرة على معدلات نجاح كاملة أي 100% أدت إلى دفع الطلبة الذين حصلوا على معدلات تقل عن 95% جانباً ليقبلوا في معاهد وكليات غير مرغوب بها من قبلهم، هذه ظاهرة تشير إلى عدد من الاحتمالات لعل من أسوأها إنتشارا حالات الغش في الامتحانات وعلى نطاق واسع وأخرى لا تقل سوءاً وهي التي تتمثل بشيوع حالات الركود والجمود في العملية التعليمية على مستوى المادة التدريسية والكتب المنهجية التي صار يقرأ فيها الأحفاد ما قرأه الأجداد وليس فقط ما قرأه الآباء والأمهات.
كشفت تقارير لمنظمة اليونسكو أن العراق يضم نسب هائلة من "الأمية" حيث وصلت إلى 47 % أو أكثر من ذلك وهذه النسب تعتبر مخيفة خاصة وان الأمية في العراق كانت شبة معدومة في السنوات الماضية، يذكر أن العراق تسلم في عام 1979 5 جوائز من اليونسكو بعد أن استطاع أن يخفض نسبة الأمية ما دون 10% و متفوقا على دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين وسنغافورة واسبانيا.
اصلاح التعليم
أولا يجب التأكيد على أن حق التعلم أحد الحقوق الأساسية للانسان ويجب ضمان ذلك للجميع بشكل عادل ولا تنقصنا الدراسات والأبحاث التي تناولت مشاكل وأزمات التعليم في العالم وفي الدول العربية، والحلول والخطط المناسبة لتجاوزها، لكن تبقى المشكلة في وضع هذه الحلول والخطط قيد التنفيذ.
لا شك أن النهوض بالتعليم في أي دولة يتطلب مواردا مالية وبشرية كبيرة بشكل دائم وهو غير متاح في العديد من الدول، لكن التطور العلمي وشبكة الانترنت قد تساعد إلى حد كبير في توفير المال والكادر البشري حسبما تشير تجارب بعض الدول المتقدمة.
على الحكومة والمجتمع أن تدرك أن الاستثمار في التعليم هو رابح على صعيد الفرد والمجتمع وسيعود بالفائدة على الدولة حتما، وان التعليم الذي لا يتماشى مع العصر ومتطلبات التنمية هدر للثروة الوطنية.
فالدول الأولى من حيث جودة التعليم على المستوى العالمي مثل سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان حققت قفزات كبيرة على مختلف الصعد خلال فترات زمنية قصيرة وصارت في عداد الدول الأكثر تطورا ورخاء رغم افتقارها إلى الموارد الطبيعية وذلك بفضل جودة ورقي أنظمة التعليم في هذه الدول.
إن الطرق والأنظمة السائدة في الدول العربية في مجال التعليم ظهر عجزها ونقاط ضعفها، فلا بد من مقاربة جديدة في هذا المجال، تجمع ما بين العمل الأهلي والحكومي وابعاد التعليم عن التجاذبات السياسية والتدخلات الحكومية في المناهج وطرق التدريس والكف عن النظر إليه باعتباره أداة للتحكم بالمجتمع والرأي العام.
ولا بد من التركيز على ضمان تكامل العملية التعليمية ما بين المدرسة والأسرة، خاصة في المراحل الأولى من التعليم لضمان ادراك ومشاركة الأسرة في هذه مهمة عبر توفير الظرف المناسب والأدوات الضرورية لنمو ملكات ومهارات الطفل العقلية.
اضافةتعليق
التعليقات