من أشد الأمراض التي من الممكن أن تسيطر على الانسان هي مرض الذات الذي يتصارع فيه الضمير والواقع، وهذا الصراع قد يأخذ مجراه فتنتصر الفطرة السليمة وقد تهزم في قساوة الأيام فيعتاد الفرد الظلم وتسيطر عليه أنا الشيطان فينتهي مغلوبا عليه في محكمة الانسانية قبل محكمة الله.
الظلم لغة: معناه مجاوزة الحد والجور، أما اصطلاحاً: فيعرف بأنه التعدي على الحق للباطل؛ أي الجور، كما يعرف بأنه وضع الشيء في غير موضعه الخاص به إمّا بعدول عن مكانه أو وقته، وإمّا بزيادة أو نقصان، وأيضاً يعرف بأنه التصرُّف في ملك الغير.
تتعدد مصاديق الظلم وتتنوع مراتبه ويختلف في كيفيته حيث يبدأ بمظلمة وليته ينتهي عند حد معين فمن تقع قدمه في الظلم قد يجرّه الى غياهبه إلا من عصمه الله، عندما تبحث عن علامات الظلم تجدها مختصرة عند أمير البلاغة أمير المؤمنين حيث يقول عليه السلام: (للظَّالمِ مِنَ الرجالِ ثلاثُ علاماتٍ: يَظلمُ مَنْ فَوْقهُ بالمَعْصِيةِ، وَمَنْ دونَهُ بالغلبةِ، ويُظاهِرُ القومَ الظَّلمةَ).
من الجميل أن نخوض في كل علامة من علامات الحديث فنجد خبايا فيه تتسع لتشمل شتى المجالات، فعندما نبدا بالجزء الأول من الحديث: (يَظلمُ مَنْ فَوْقهُ بالمَعْصِيةِ) ونبحث في ظلم من هو أعلى منه مرتبة فنطرح سؤالا من هو الذي فوق الانسان؟
عندما نذهب الى عالم المخلوقات يسعفنا بأن فوق الانسان هو الملائكة وما تحته هو الحيوان واذا أردنا أن نأخذ الملاك كونه كائن فوق الانسان فهو كائن غير مرئي للانسان ولا يتحقق ظلم له، فنعود الى من هو أعلى من هذه المرتبة العلي المطلق ألا وهو الله عز وجل، نجد أن ظلم الانسان لله يتحقق بمعصيته وعدم إطاعته وهذا الظلم جميعنا معرضين له من خلال ظلمنا لنفسنا بإرتكاب المعاصي صغيرها وكبيرها، هذه رؤية للحديث وقد نفرض أن هناك رؤية أخرى قد يتحملها مصداق الحديث ألا وهي من أعلى من الانسان منزلة كأن تكون علما أو عمرا، أما العلم فلا يوجد لدينا هناك من وصلوا الى أعلى مراتب العلم غير الرسول وأهل بيته وعندما نريد أن نثبت تحقيق ذلك عليهم فيثبتْ أيضا بعدم اتباع نهجهم ومخالفتهم ويمكن أن يكون هذا جانب من معنى الحديث، وأما عمرا فهم الوالدين ومن يتعلق بهما من الاكبر سنا أن لا نظلمهم وظلمهم واضح لا يحتاج الى تفصيل كون الاحداث موجودة على أرض الواقع والقصص منتشرة والذي يذهب الى دار المسنين يسمع الكثير من الحكايا التي تؤلم القلب، منه ذلك الذي رمى أمه كونها مقعدة فقط.
ثم ننتقل الى الجزء الآخر من الحديث (وَمَنْ دونَهُ بالغلبةِ): فمن دون الانسان؟ لو افترضنا أنه الحيوان فمن الممكن أنه الانسان يظلم الحيوان بزجره او ضربه وغيرها من الامور البديهية لظلم الحيوان، ولو وسعنا دائرة التفكر في هذا المقطع لخطر أمر مهم في ذلك ألا وهو حديث (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) فمن في رعايته الانسان هم في الغالب من دونه اذا يتعدد مفهوم الرعاية ليشمل الاب ورب العمل وكل من تحته وصاية أحد ما، وظلمه يعني أن يتسلط عليه بلا حق ويتخذ من مركزه عليهم فرصة للتسلط وفرض قوته وهذه الحالات نجدها كثيرة والشواهد أكثر كما يفعله الحكام الان من ظلم للرعية وكما يحدث عندما يظلم الاخ أخته بعد تزويجها وعدم قبوله بأي أحد بحجج واهية.
وأما العلامة الأخيرة التي يمكن أن نستشفها من الحديث (ويُظاهِرُ القومَ الظَّلمةَ)، فعندما نتأمل في معنى ظهير نجده في معاجم اللغة بمعنى عاونه وناصره، فمن يعاون الظالم فقد اشترك معه في الظلم والامثلة واضحة في هذا المجال كثيرا مايحدث إتباع للظالم أما عن علم وإما عن جهل، فالذي يعلم إنه ظالم ويعاونه هذا يدخل في باب المعاند الذي يعلم بالحق وينكره وهذا في وصف القران من المفسدين كما ورد في سورة النمل (وجَحَدُوا بِهَا واستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلمًا وعُلُوًّا فَانظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الـمُفسِدِينَ).
وإما عن جهل وهذا أكثر خطرا على الانسان هو الجهل بحد ذاته خطر على الفرد كيف أن يلحقه إتباع لظالم كما حدث في قضية السامري بقوله تعالى (ثمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴿٥١ البقرة﴾ فإتباعهم للسامري في عبادة العجل ينم عن جهل بحقيقة خدعة السامري وضعف في عقيدتهم بأتباعهم للنبي موسى، ورغم ذلك عاونوا السامري وصدقوه فأصبحوا من الظالمين.
هذا الحديث الذي أختصر علامات الظالم وحصرها في ثلاث فقرات ببلاغة تتسع لأكثر من معنى وأكثر من تفصيل، والعديد من الجزئيات التي نغفل عنها احيانا، يضعنا أمام مسؤولية كبيرة وحذر أكبر بالتعامل حتى لا نكون ضمن كلمة شديدة الكراهة ألا وهي الظلم.
اضافةتعليق
التعليقات