تكتسي الصداقة أهمية خاصة لتأثيرها المباشر والكبير على حياتنا من الناحية النفسية والاجتماعية، فهل حقا هناك صداقة بين الرجل والمرأة ام اننا نوهم أنفسنا بذلك؟.
تساؤلات كثيرة تربكنا بين حقيقة ووهم الصداقة التي تعد منبع ألفة ومحبة بين أجناس البشر كافة.
إلا أن في أعرافنا تبقى بحدود ما يسمح به ديننا إن كانت بين الرجل والمرأة، فما هي وجهة نظر المجتمع للصداقة بين الجنسين، وهل من الممكن إيجاد علاقات أخوية حقيقية إن اختلطا معاً في كل مجالات الحياة بدون غايات أخرى؟.
حول هذا الموضوع أجرت (بشرى حياة) هذا الاستطلاع..
الصداقة والبعد الفكري
حنين كريم بكالوريوس تحليلات مرضية، استهلت حديثها قائلة: "إن حواء مخلوقة على اختلاف الروايات في أصل أو بدايات خلقها لكن هناك رواية تقول أنها لم تُخلق بشكل مستقل عن آدم وإنما خلقت من ضلعه، لذلك فهي بالأساس لديها انتماء له، وهذا الانتماء ربما سببا كافياً ليفسر سر الألفة، والانجذاب والأحتياج إلى وجود ظل رجل في حياتها والى جانبها، بدايةً بالأب والأخ ونهايةً بالزوج والابن".
وأضافت: "لكن لو دققنا النظر لزاوية أبعد قليلاً عن العلاقات العائلية، لتتسع الدائرة فتشمل وجود زميل الدراسة وزميل العمل أو زميل صدفة معينة أو مشروع مشترك استدعت الحياة أن يعملا فيه معاً، طبيعي جداً أن يكون هناك نوعا ما تبادل في الكلام والتعامل المشترك والضروري لتسيير العمل، والأنثى بطبيعة تكوينها تمثل الجانب الألطف في هذه المواضع وغالباً ما يُساء فهم هذه الطبيعة البديهية لها فتفهم على أنها رغبة لتودد أو استلطاف أو استدراج مقصود للجانب الآخر، أو قد تُستضعف وتُبتز إثر ذلك".
وتابعت: "لذا وجب تصنيف العلاقات وأخذ الحيطة اللازمة في التعامل مع الأشخاص وما يتلائم مع الوضع السليم لسير العمل، أي تعامل بين جنسين لتسيير مهمة حياتية معينة كأن تكون دراسة، أو عمل أو مشروع فبرأيي يجب أن تكون مؤطرة بأسس التعامل العملي الذي تحكمه الضوابط، أما ما يتعدى ذلك من تعمق العلاقات وتحت مسميات اليوم من صداقة أو أخوة مبطنة بنوايا مختلفة، فبرأيي أشك في وجود هكذا علاقات تحت هكذا مسميات وتخلو من نوع من العواطف أو الميول على الصعيد الشخصي والخارج عن نطاق علاقات العمل".
العلاقات تحكمها طبيعة المجتمعات
وكانت لنا هذه الوقفة مع الدكتورة سليمة سلطان نور حيث أشارت: "بأن العلاقات مهما كان نوعها تحكمها طبيعة المجتمعات سواء كان بين الرجل والمرأة أو بين أطياف المجتمع الأخرى وطبقاته الاجتماعية".
مضيفةً "لذا حين يطرح موضوع الصداقة بين الرجل والمرأة فعليك واقعاً أن تسأل قبل ذلك عن طبيعة ذلك المجتمع لا عن طبيعة تلك العلاقة بحد ذاتها، وهنا يتوجب أن نسأل ما طبيعة علاقة الصداقة بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي عامة والمجتمع العراقي خاصة حتى دون تفاصيل في طبيعة هذا المجتمع سواء كان أكاديمي أو سياسي أم مجتمع ثقافي أو غيره".
وتابعت سلطان: "الواقع ليس هناك صداقة بمعنى صداقة وبمفهوم الصداقة بين رجل أو امرأة مهما كان وعيهم ومهما كانت طبيعة مجتمعهم إلا بحدود ضيقة وواضحة تقف عند مكان لا يتجاوزه، لأن الصداقة ملازمة ومصاحبة ومكاشفة وهذا لا يمكن أن يحدث بين رجل وامرأة لذا تندر مثل هذه العلاقة في مجتمعنا وان لم تكن معدومة، وهناك صداقة تصمد أمام الآراء والظنون والظروف والنوايا وإن كانت نادرة جدا".
الصداقة والعمل
تنقل المهندسة سهير عباس رأيها عن صداقة الرجل والمرأة قائلة: "إن تواجد الرجل والمرأة في مكان العمل يعد زمالة عمل ولا تندرج برتبة الصداقة، ولأن مجتمعنا محافظ فهناك تقيد ببعض الجوانب التي من الصعب بها ان تكون صداقة متينة بين الرجل والمرأة".
فيما تناقضها الرأي هبة علوان محامية بقولها: "يجب أن يتوفر في الصداقة عنصر المصداقية وحسن النية لدى كل طرف من الأطراف، فمتى ما توفرت المصداقية وحسن النية كانت هناك صداقة حقيقية، أما بخصوص كيفية اكتشاف حسن النية لدى الطرف الآخر فتأتي عبر الاختبار الفعلي للشخص واكتشافه وهذا الأمر يخضع لعدة عوامل تعتمد على التربية السليمة وثقافة الشخص".
وأضافت: "وبحسب اختلاطي بعملي مع الرجال أرى ان هناك صداقة إلا انها بحدود لا يمكن تجاوزها ولأكون صريحة إن هذه الحدود المرأة هي من تضعها وذلك يعتمد على تربيتها وتمسكها الديني".
ومن جهة أخرى شاركنا عبد الأمير حسين موظف قائلاً: "أرى إن مفهوم الصداقة ليس له حد أو مكان معين، لأنها تكون في مجال أو مكان معين وعادة ما تتكون الصداقة بين الرجل والمرأة أو الشاب والفتاة في موقع العمل إذا كانوا موظفين أو طلاب جامعة أو في المنتديات العامة ففي العمل عادة ما تتكون الصداقة بين الرجل والمرأة أو تكون هناك علاقة أخوة بينهما وأكثر حالات الصداقة في العمل تتولد نتيجة العمل المشترك وهناك حالات مثل هذه الصداقات تؤدي إلى الزواج، فلا أرى إنه بشيء مستحيل بل يعتمد على نضج الطرفين وفهم معنى الصداقة فهي ليست بوهم كما شخصها البعض لأنها مبنية على الحب والتفاهم والإخلاص وهي جسر بين المحبين وعملة نادرة وأغلى ما في الوجود". من جانبها قالت أم رفل ربة بيت: "بحكم مجتمعنا الشرقي نجد هناك تحفظ في هكذا نوع من علاقات الصداقة بين الرجل والمرأة أينما كانوا، وذلك من أجل أن لا يسودها سوء الظن من بعض الناس حتى وإن كانت مجرد علاقة بريئة لا تتعدى الأخوة والزمالة، ولأني ربة بيت كثيراً ما أسمع بأن هناك زيجات قد حصلت باختلاط الرجل والمرأة في العمل أو الجامعة، فلربما تكون هناك نية شريفة عكس ما يتوقعه البعض".
تغيرات مجتمعية
ربما يكون أول اختلاط حقيقي بين الشاب والفتاة في الجامعة حيث تفرض الحياة الجامعية على الجنسين الاختلاط بحكم الدراسة والتواجد اليومي.
يستذكر علي عبد الله/ اعلامي علاقات الجامعة في الزمن الماضي قائلاً: "كانت العلاقات في الزمن الماضي مختلفة تماماً عن اليوم، كانت تسودها الفطرة، إلا أن الأمر كذلك لا يخلو من بعض المطبات".
وأضاف: "كنا نعتبر زميلاتنا كأخواتنا الحقيقيات، وإن كان أحد الزملاء يشعر بالميل تجاه أي فتاة فهو يرسم معها مستقبلاً واقعياً يلتزمان به لتكون نهايته الزواج".
وتابع قائلاً: "إن تغيُرات المجتمع غيرت الكثير ومنها نفوس البشر، ففي السابق كانت أحاديثنا لها طعم آخر، لا تتجاوز حدود الأدب واللباقة واللياقة، عكس أحاديث اليوم وكلمات اليوم التي تخللتها مفردات غير لائقة وذلك بسبب هجوم التكنولوجيا لحياتنا وافكارنا".
الصداقة والمجتمع
فيما أوضحت الباحثة الاجتماعية ثورة مهدي الاموي بهذا الجانب: "إن التعايش السلمي والاجتماعي مطلوب في كل أزمنة ومراحل الحياة، لذلك كان ولابد من وجود علاقة تجمع بين الجنسين، قد تكون علاقة عمل أو دراسة فهي زمالة، أو تكون علاقة جيرة، فهي بكل أوجه الحياة علاقة، منها تصل الى الزواج ومنها تبقى كما هي يسودها الاحترام المتبادل".
وأضافت الاموي: "هكذا علاقات نحن من نضع معاييرها وأسسها ولا نسمح بالتجاوز عليها، ووفق ما نضع تستمر هذه العلاقة محترمة ولكن إن تُركت دون أسس ممكن أن تتحول الى اشياء اخرى، فلابد من الالتزام بالحدود بين الجنسين، بمعنى ستر العورات والتزام الأدب في الحديث، وعدم المصافحة المكشوفة، والقبل عند التحية، وما إلى ذلك مما يرتكب من أمور لا يوافق عليها دين ولا عرف شريف، والنصوص في ذلك كثيرة في القرآن لا يتسع المقام لذكرها".
الصداقة والاسلام
ومن الجانب الشرعي شاركنا الشيخ نزار التميمي قائلاً: "ان اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل من علم نافع أو عمل صالح أو مشروع خير، أو جهاد لازم أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متظافرة من الجنسين ويتطلب تعاوناً مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ، لكن لا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما وتُنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين ويزعم بعضهم كذباً أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب وعاداته إلينا ويقفزون على الواقع والحقيقة بأكاذيب تقف من ورائها الشهوة والنزوة".
وأضاف: "ومن الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير والتعاون على البر والتقوى في إطار الحدود التي رسمها الإسلام منها الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى العورة ولا ينظر بشهوة ولا يطيل النظر في غير حاجة والالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم قدر الإمكان الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين ولا يشف ولا يصف، أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى، لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها".
وتابع التميمي: "ويتوجب الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء وخصوصًا في التعامل مع الرجال، في الكلام مثلاً حيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وأيضاً في المشي، وهكذا لمن يريد السلامة والعفة والحياة المحترمة البعيدة عن المشاكل والمضاعفات عليه وعليها قدر الامكان الالتزام بهدي الاسلام وما ارشد إليه القرآن الكريم".
اضافةتعليق
التعليقات