في بيت البراءة، تطالب الحقيقة تفسيرا ل مقصد الهدف، حيث لا طموح يدك، ولا عمقا يسهب، عند بيت الإدراك والوعي الملزم لكل آونة مركونة فيض التوضيح.
ولأن الله عصمها من غضبه، وشملها رحمته، وأفاض عليهم من سره المكنون في ذاته المقدسة، لذا يخضع الصدق مناطقهم ومنطقهم. وقد جعل الله سبحانه ل قدرته وقدره شواهد، يعتمد فيها العلم على انسياب فكرهم الناطق من محاجر اعتادت على سكب الحق حجرة الوضوح ذات ستائر ك صفاء الدر وجمال اللؤلؤ.
ف اتخذ منهم أفذاذ، لايخطر على قلب بشر لتكون هي الوسيلة لاتمام الهدف وقضاء أي فريضة كانت رغم محدودية عمرهم زمنا ومكانا.
ولكي تكون هي الفاصلة ولها محورية خاصة شرعا ومدلولا، لابد أن تسع الظليمة بشرطها وشروطها..
وأن تعزم ذاتها على تقبل الألم، بعدة ظواهر مختلفة كما كان الأمر واضحا وجليا في واقعة الطف، كما أن الأدوار مختلفة، والتضحية قد عد لها سيناريو يليق بها، وأن ثورة الكلمة وقتها، اتسمت ب مفردات ووقائع تمتعت ب مصداقية خاصة.
وعلى قدر الفجيعة التي مرت بها تلك الواقعة المؤلمة بحق الحسين وأولاده وذريته وأصحابه عليهم السلام، إلا أن دور الطفولة فيها انجز تضحية لامثيل لها، تزامنا من جهة الظرف وأخرى مقياسا للعمر وقمة الإدراك والامتياز المختلف.
ووفق العناية الربانية، ومهد النبوة ذات البراءة، كانت القيمة ف تكلمت بالنضج، وكتبت على نفسها الاستماتة في سبيل الله ومبدأ الولاية.
بعد واقعة الطف، استدرجت الأحداث، حتى حطت رحالها عند معصم السيدة رقية سلام الله عليها، قلب الحداثة والحدث، علما ومنطقا، جمالا لم يسبق، أدبا وتأدبا.
تلك المعصومة التي اختارها الله عن غيرها من أطفال الحسين عليه السلام ل تشهد بأن صوت الطفولة، ودمعة اليتيم، خندق مسلح بالإيمان وحب الأولياء، وإن في اليتم قوة كان رفدها فيض من ألطاف من ذات يد القدرة للحسين عليه السلام..
وإن صرختهم لازالت ولم تزل على الظالمين عذابا صبا.
ذکر رجل من رجال الدين، مطلباً نقلاً عن المرحوم الميرزا علي محدث زاده «ابن صاحب مفاتيح الشيخ عباس»، وقد کان يرتقي المنبر في طهران أنني واعدته في بعض السنوات قبل أيام من بداية شهر محرم الحرام أن يقرأ لي بعض المجالس، فأصيبت أوتاري الصوتية ببعض الإشکالات، وقد منعني على إثرها الطبيب، فقال لي: لا ينبغي لك أن تتحدث أبداً، فهو مضر کالسم القاتل.
فقلت مع نفسي: إلهي ما ذا سيحصل؟ غداً الأول من محرم، وأنا لا أستطيع بهذه الحالة أن أرتقي المنبر، فتوسلت بالإمام الحسين عليه السلام، فرأيت في عالم الرۆيا، أنني في أحد المجالس، وکأن الإمام الحسين عليه السلام حاضراً في المجلس، وقد حضره عدد کبير معه، لم أکن أعرفهم، لکنني أعرف الإمام الحسين عليه السلام، فالتفت الإمام عليه السلام إلى أحد الحاضرين في المجلس ولم أکن أعرفه وقال: اقرأ المصيبة فقال: وأي مصيبة أقرأ؟ فقال الإمام الحسين عليه السلام: اقرأ مصيبة ابنتي رقية، فأخذ ذلك الرجل يقرأ مصيبة السيدة رقية، فبکي الإمام الحسين عليه السلام کثيراً، وأهل المجلس وأنا أيضاً، وعندما استيقظت من المنام، رأيت أن أوتاري الصوتية قد تحسنت وليس بها شيء، وکنت أرتقي المنبر في ذلك العام ببرکة ما رأيته في عالم الرؤيا .*
وبفضل بعض الروايات وحديثها عن السيدة رقية سلام الله عليها، ومدى اتساع الحكمة فيها ودور الرسالة والهدف الموصى لتحقيقه، فإن قضية استشهادها أثارت الرأي العام قديما وحديثا.
مكفولة بلا أنصاف النفوذ، وضياع الوصاية من يد أهل الضلال والقتل بحق طفلة الحسين لم تبلغ إلا ثلاث أو أربع سنوات، نهضت من نومها تبكي فقط تريد أبيها الحسين عليه السلام، ولكن يد الرحمة في بيت الصفا، أبت إلا أن تهدئ من روع البراءة ، وقلب الشغف ب حروف مختصرة عن آية الفقد للأهل والأحبة، ب كلمة موجزة استعبارا لما وقع.
لابد أن يستدرج معه واقعة الفاجعة، كي يتقبلها كل على حسب نفسه وذاته وعوامل بيئته التي لها الدور الأكبر لإستيعاب مرادفات موجعة خاصة كانت أو عامة، كما فعلت السيدة زينب سلام الله عليها وباقي النسوة من نساء الحسين عليه السلام وغيرهم ممن فقدوا أولادهم وأزواجهم في واقعة الطف..
فكانت ترد على الأطفال منهم وبالأخص السيدة رقية عليها السلام، حينما كانوا يسألون عن آبائهم وعن الحسين، بأنهم سافروا، وذلك مراعاة ل شغاف قلوبهم الناعمة الطاهرة أن تتفطر من هول المقال.
وهذا هو المطلوب وأساس أي تعامل موثوق بالرحمة الموجبة لأي همة من همم جيل البراءة، ماضيا وحاضرا ومستقبلا..
ف كلمة عجاف لها صدى سلبي وغبار ك علقة محمرة، غير خصبة تأخذ مسامع البراءة وتقتل فيه روح مرحة، وهمسة صباه، ويفقد فيه إبتسامة ثغره الشجية.
وهذا الصدى يشمل كل جيل على مداه الواسع، وعلى جميع المستويات وإشارة تحذير لمن يفهم الطفولة ولمن لا يعرفها.
لذا فإن شخصية السيدة رقية عليها السلام، تعتبر وثيقة حية، ووجه مأساوي مبين، وأحد أبرز المواقف الأكثر ألما ومظلومية في حياة النهضة الحسينية.
ويعز على التأريخ أحيانا، ذكر مصيبة قد أخذت طابع القسوة والعنف بحق الطفولة وبراءة الحرف المتكلم، لأنها فارقة يندهش لها لب العاقل ودفين الساذج.
وإن ل دفن هذه الطفلة الصغيرة في الشام ل شاهد وشاخص كبير على أسر الذرية الطاهرة، وبشاعة الظلم الذي حلّ بهم، هذا الظلم الذي بکي لأجله الأنبياء کلهم من آدم إلى الخاتم محمد عليه وعليهم جزيل الصلوات والسلام، وأن الله قد قرأ العزاء على آدم عليه السلام منذ بداية الخلقة.
وحيث إن تبويب القضية على حسب صرفها وظروفها، تحتاج إلى شروط مخصصة تعبق بالسند وأفواج من الدلائل.. فلا يسع للقارئ هنا إلا أن ينصت ل قارعة الدمعة وآهة اليتيم، ونبض الفكرة الواعدة قلب الصغير، لأنها تنطق حقا وتبصم سخية
وتعانق فم الولاية معلنة رحيل رحيقها، وبقاء برائتها مركونة قلب الحدث، ف يظل خيالها ك الثوب الباكي على سخونة جدران المأوى وحيث اسم الضحية راقد ضمير المأساة ب فجع.
يتيمة أرض الـشـام ألـف تحية..
إلـيـك وقـلبي بـالـمـودة يـنـطـق..
ف السلام عليك يا مولاتي رقية، حين ولدت ويوم استشهدت، ويوم تبعثين حية.
اضافةتعليق
التعليقات