سؤال يتردد بين الفينة والأخرى؛ متى تحل أزمة البطالة، قبل أن نجيب على هذا السؤال، في مدرسة الاقتصاد هناك مفردة تخبئ خلفها الكثير من المعاني والأوجاع وهي البطالة، فعندما تتفاقم فإنها تجر في أذيالها الكثير من الخسائر سواء كان بالفرد المتعلق أو بالاقتصاد القومي. أما على سبيل الفرد، لا يخفى أن البطالة تؤدي إلى افتقاد الأمن الاقتصادي حيث يفقد العاطل دخله الأساسي، وربما الوحيد مما يعرضه لآلام الفقر والحرمان هو وأسرته، ويجعله يعيش في حالة يفتقد فيها الاطمئنان على يومه وغده، ويزداد الوضع سوءا إذا لم يكن هناك نوع من الحماية الاجتماعية للعاطلين (كما هو الحال في غالبية البلاد النامية).
كذلك لا يجوز أن ننسى المعاناة الاجتماعية والعائلية والنفسية، التي تنجم عن البطالة، وإن كان من الصعب حسابها كميا، فقد اثبت أن استمرار حالة البطالة وما يرافقها من حرمان ومعاناة كثيرا ما يدفع الفرد إلى تعاطي الخمور والمخدرات ويصيبه بالاكتئاب والاغتراب وربما تدفعه إلى الانتحار فضلا عن ممارسة العنف والجريمة والتطرف، كما أن تدهور مستوى المعيشة الذي يرافق حالة التعطل عادة ما يؤدي إلى سوء الأحوال للعاطل ومن يعولهم ومن ثم إلى احتمال ارتفاع حالات الوفاة مبكرا.
الخسائر التي يتحملها الاقتصاد القومي
الخسائر كثيرة ومتعددة يأتي في مقدمتها ما تمثله البطالة من إهدار في قيمة العمل البشري حيث يخسر البلد قيمة الناتج الذي كان من الممكن للعاطلين انتاجه ومن ناحية أخرى يلاحظ أن المدفوعات التحويلية التي تضطر الحكومات إلى منحها للعاطلين إما في صورة إعانة للبطالة أو مساعدات حكومية تؤدي إلى ريادة العجز في الموازنة العامة وما ينجم عن ذلك من نتائج سلبية، كما أن زيادة هذه المدفوعات تؤثر سلبا في قدرة الحكومة للأنفاق على الخدمات العامة الضرورية (كالتعليم والصحة).
وذلك مع انخفاض مستوى المعيشة وانعدام الأمن الاقتصادي والشعور بافتقاد هذا الأمن بالنسبة لمن يعملون لبعض الوقت أو في أعمال مؤقتة وما يرافق ذلك من خفض في مستويات الأجور الحقيقية، كثيرا ما يلجأ العمال والطبقة الوسطى إلى الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات التي قد تشل الحياة في بعض القطاعات أو الأنشطة وما ينجم عنها من فقدان أيام عمل تؤثر سلبا في مستويات الناتج والدخل وقد يكون لذلك تكلفة سياسية واجتماعية.
فإن حساب التكلفة الاقتصادية الأساسية للبطالة على المستوى القومي يلجأ الاقتصاديون والخبراء إلى حساب قيمة ما يفقده الاقتصاد القومي من ناتج، ولاشك في أن قائمة الخسائر والضائعات والآلام تبدو أكبر حجما وأشد خطورة في حالة الدول التي كانت اشتراكية والبلاد النامية.
وأوضح جين يونغ كاي نائب رئيس مؤسسة التمويل الدولية أنه "بصفة المؤسسة أكبر مؤسسة للتنمية في العالم تركز على القطاع الخاص، نعتقد أن خلق فرص العمل يتيح أفضل سبيل للخروج من الفقر"، ولفت كاي إلى أن النهوض بهذه الفكرة في البلدان النامية يعد على رأس أولويات المؤسسة الدولية، ووفقا لتقديرات البنك الدولي، يوجد نحو 200 مليون عاطل عن العمل في العالم معظمهم من الدول النامية، وأنه بحلول عام 2020 يتعين توفير 600 مليون فرصة عمل في البلدان النامية وحدها لمواكبة النمو السكاني.
وكانت منظمة العمل الدولية قد حذرت في سبتمبر/ أيلول الماضي من ارتفاع نسبة البطالة بين الشبان عالميا، مشيرة إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي في منطقة اليورو بسبب أزمة الديون فيها وضعف الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة يؤثران سلبا على الاقتصادات الناشئة، وعلى مدى سنوات ركزت مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على تعزيز النمو الاقتصادي كوسيلة لخلق فرص العمل، لكن الدلائل أظهرت أن الحل بيد القطاع الخاص الذي يوفر تسعا من كل عشر وظائف.
وأظهرت دراسة لمؤسسة التمويل الدولية عن الوظائف وبحثت في تجارب أكثر من 45 ألف شركة في أكثر من 100 بلد في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، أن ضعف البنية التحتية وقلة التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة وضعف التدريب والمهارات وضعف مناخ الاستثمار، هي أكبر العوائق أمام الشركات وجهودها لخلق مزيد من فرص العمل.
تقول منظمة العمل العربية: عدد العاطلين عن العمل في الدول العربية زاد عن 17 مليونا، والبطالة في الدول العربية هيكلية وليست دورية ولا موسمية، وخلصت الدراسة إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي التي تخلق معظم فرص العمل لكنها أقل إنتاجية وتدفع أجورا أقل ولا تقدم نفس القدر من التدريب الذي تقدمه الشركات الكبيرة، وبينت أن أكبر عدد من فرص العمل يتم توفيره في سلاسل التوريد وشبكات التوزيع لدى الشركات.
ووجدت أن 45 مليونا ينضمون إلى صفوف القوى العاملة سنويا غير أن أكثر من ثلث الشركات التي شملتها الدراسة لا تجد أشخاصا لديهم المهارات التي تحتاجها، تجدر الإشارة إلى أنه في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي أفاد تقرير لمنظمة العمل العربية أن عدد العاطلين عن العمل في الدول العربية زاد عن 17 مليونا، بارتفاع فاقت نسبته 16% مقارنة مع تقديرات عام 2010، مشيرا إلى أن البطالة هيكلية وليست دورية ولا موسمية.
واعتبر التقرير حينها أن أهم العوامل الاقتصادية التي أسهمت في اندلاع الاحتجاجات والثورات الشعبية في الدول العربية، هي تزايد البطالة وارتفاع معدلات الفقر.
اضافةتعليق
التعليقات