يُعرف شهر رمضان بأنه شهر الخير والمغفرة، فنلاحظ الجميع قبل أن يُقبل يستعدون إليه إستعداداً إستثنائياً من الناحية المعنوية والمادية، ومن الناحية المعنوية في هذه السنة لاحظنا الجميع تقريباً يرسل رسائل الاعتذار ويطلب السماح من الآخرين إن اساء بحقهم، أي إن الناس تستعد بكل ما يهيئ لها جو روحاني للإتصال بالله سبحانه وتعالى في هذا الشهر، ومن الناحية المادية كذلك يستعدون لتجهيز موائدهم وتزيين المنازل للإحتفاء بجو رمضاني بل وحتى ليستضيف بعضهم بعضاً، فلو تأملنا ما هذا الشيء الذي يحرك الناس لإستشعار الاختلاف في هذا الشهر؟ ويدفعهم للإستعداد؟
ربطت ذلك سجى الكربلائي بالمسؤولية فقالت:
لابد إنه دافع المسؤولية، فماهي المسؤولية؟ وكيف نعرف ان الشخص المقابل مسؤول أم لا؟
للمسؤولية تعريفان الاول: هي تكليف الانسان للقيام بأمر ما.
والتعريف الثاني: هي علاقة مزدوجة بين فعل الإنسان وحكم المجتمع عليه. وأما انواع المسؤوليات فهي عامة وخاصة فالمسؤولية العامة هي التي تتضمن:
المسؤولية الدينية وهي أن يكون الانسان مسؤول عن القيام بالطاعات واجتناب ما نهاه الله عنه من معاصي، ومصدر هذه المسؤولية ومشرعها الدين.
والمسؤولية الاجتماعية وهي تدخل ضمن المسؤولية الدينية أيضاً وهي أن يكون الفرد مرتبط بمجتمعه مسؤول عن تصرفاته، لا يعود بالضرر على مجتمعه، وبذلك يكون مصدر هذه المسؤولية المجتمع.
المسؤولية الاخلاقية وتعني أن الفرد مسؤول عن تبعات الافعال التي يعملها وآثرها، فيكون مصدرها الضمير.
والنوع الآخر من المسؤولية هي المسؤولية الخاصة أي مسؤولية الانسان تجاه نفسه؛ والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد هذا المعنى في خطبته حيث يقول: نفسكم مرهونة بأعمالكم.
الخطبة التي يقرأها الأغلب قبل شهر رمضان والتي تمثل اكسير لكل أنواع المسؤوليات التي ذكرت آنفاً وفي ختامها أسقط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أكبر عذر للإنسان بعدم التزامه بالمسؤولية حيث قال والشياطين فيه مغلولة. أي تركك في هذا الشهر مع نفسك، انت من تقودها وتوجهها.
بالطبع هذه المسؤوليات موجودة دائماً في كل الأوقات ويجب أن نلتزم فيها ولكن نرى في هذا الشهر تأكيد مختلف على التزامها، فلماذا شهر رمضان يهدف الى بناء المسؤولية في نفس الانسان؟!
وللوقوف على أبعاد هذا الموضوع ناقش ملتقى المودة للحوار هذا الموضوع ضمن أمسيته الرمضانية والتي اقيمت في جمعية المودة والازدهار النسوية بحضور سماحة الشيخ مرتضى معاش وكوكبة من الكاتبات والناشطات في كربلاء المقدسة في اليوم السابع من شهر رمضان، حيث توجهت الكاتبة سجى الكربلائي للحضور بسؤالها الآنف الذكر:
فكانت البداية عند جنان الهلالي/ كاتبة حيث قالت: شهر رمضان شهر كريم وعلى الانسان ان يبذل فيه مجهوده ويغير كل ما لديه من اخطاء في الاشهر السابقة وعلى الجميع أن يبدأوا فيه من تحسين سلوكهم وتقع مسؤولية أكبر على الآباء والامهات في تحسين سلوك اولادهم والمقربين لهم فمثلاً نرى الكثير من الاولاد يعزفون عن الصيام بحجة الدوام والحر الشديد والامتحانات فالمفروض هنا أن نزيد من إيمانهم ونشجعهم على هذه الممارسة العبادية العظيمة.
أجابت بعدها رقيه تاج/ مديرة تحرير موقع بشرى حياة حيث قالت: شهر رمضان يهدف الى بناء كل القيم العليا والمبادئ السامية في الانسان مثل الصبر وسعة الاخلاق والتغيير نحو الافضل، ومن هذه القيم الشعور بالمسؤولية، وبالطبع هذا الشهر الفضيل يمثل فرصة لإعادة احياء مجموعة من الحقوق والواجبات، والشعور بالمسؤولية يقع ضمن الواجبات التي يتساوى فيها الجميع، بدليل قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): كلكم راع وكلٌ مسؤول عن رعيته. والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا لم يحدد كبير او صغير، رجل او إمرأة، اي يجب ان يتواجد هذا الشعور وهذا الحس في كل فرد. وفي شهر رمضان تتجلى المسؤولية في اتجاهين: اتجاه عبادي واتجاه اجتماعي، ومن صور العبادي الصيام والاعمال المستحبة وقراءة القران.
أما الإجتماعي فيتضمن صلة الرحم والصدقة، ومسؤولية مهمة أخرى ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي رمضان يجب أن ندعو الى الخير فيه وننهى عن المنكر، وختمت حديثها بقولها: للأسف الشعور بالمسؤولية قيمة غائبة وعلينا جميعاً أن نعيد تلك القيمة الى المجتمع بدايةً من النفس والأسرة فالدائرة المحيطة الأوسع.
بعدها انتقل الحديث لاسراء الفتلاوي/ كاتبة وقد أبدت رأيها قائلة: اظن أن سبب عظمة شهر رمضان عند الله بأن كل أمر وفعل نقوم فيه يدعو للمسؤولية وتحملها من الناحية الاجتماعية والدينية مثل الصبر والقدرة على التحمل وإزدحام وقت الصائم بالواجبات التي يجب أن نقوم بها تجاه النفس والآخرين من صلة الرحم، وغيرها وبسبب هذه الامور تتكون لدى الفرد روحانية ويرى لديه مسؤوليات يجب أن يؤديها.
وقالت مروة ناهض/ كاتبة : عادةً شهر رمضان يمثل فرصة سنوية تمنح للعبد ليبرمج فيه نفسه برمجة ذاتية لكل ما يتعلق به من أعماله ونفسيته وروحيته، ومن أهم المقومات التي تعطي شهر رمضان القوة هي إن الشياطين فيه مغلولة، فأي عمل يصدر فيه يكون بما كسبت يد الانسان من ذاته، أما فيما يخص تحمل المسؤولية فكلنا نعرف ماهي المسؤولية وتحملها وماهي الايجابيات التي تعود على الانسان في تحمل المسؤولية، ولكن هناك نقطة الجميع يغفل عنها حتى المنادي بتحمل المسؤولية يقع في خطأ، حيث أن الأغلب في شهر رمضان يكون بناء المسؤولية لديه في جانب ما ويغفل عن الجانب الآخر يعني لربما يكون عبادي ويغفل عن الإجتماعي فمثلا ً قراءة القرآن دون العمل بما فيه أو معرفة مايدعو اليه يكون لقلقة لسان فقط، إن هدف شهر رمضان وبرأيي هو أكثر ما نحتاجه خصوصاً عند الشعب العراقي هو الاستشعار بالمسؤولية، وقيمتها كأي مشروع هناك من يقيمه إن كان ناجح أو فاشل والمقيم هنا هو النفس.
بعدها بينت حنين حليم/ كاتبة رأيها حيث قالت: إن شهر رمضان خُص بتنمية هذه القيمة (الشعور بالمسؤولية) وغيرها من القيم التي حثنا عليها الرسول لأن شهر رمضان واحة يخلو بها الإنسان ليكون بين نفسه وبين الله ويحث هذا الشهر على بناء المسؤولية وتنميتها وعلينا أن نرى في رمضان الحالي كم تقدمنا عن رمضان الماضي، ماذا قدمنا وماذا فعلنا فعند الشعور بقيمة الجوع والعطش اثناء الخروج للعمل بهذا نتحمل مسؤولية الاحساس بالآخرين الذين يعانون الجوع طوال العام كما وعلينا ان نعلم أن بركات شهر رمضان مضاعفة أضعاف بركات الشهور الباقية.
ثم أشارت الكاتبة هدى الحسيني في بداية حديثها إلى مقال السيد الشيرازي الذي ذكر فيه "في شهر رمضان تترجم الافكار الى وقائع وتتحول الحروف الى حركة والكلمة الى حياة"، فإن شهر رمضان ليس للإمتناع عن الطعام والشراب فقط وليس لإعداد الطعام والحلويات بل يجب على الانسان فيه أن يغير من حياته في هذا الشهر ويكون ذو مسؤولية ذاتية مثلاً كإصلاح نفسه وتحسين أخلاقه أو عباداته أو تحسين وضعه إجتماعياً كصلة الرحم او غيرها. فرمضان حياة.
وعند انتقالنا لجنان الرويشدي/ مدرسة وناشطة اجتماعية: أوضحت ان شهر رمضان هو شهر التغيير وذكرت عند سماعها محاضرة للسيد محمد رضا الشيرازي يقول فيها: "المجتمع في شهر رمضان مهيأ للتقبل فاستغلوا هذه الفرصة"، فنحن نعمل في سائر السنة ونرى ان نسبة التقبل تكون لربما عشرة بالمئة لكن في شهر رمضان يكون التقبل بنسبة ثمانون بالمئة لأن المجتمع مهيىء نفسه ومستعد، وأحد العلماء يقول: يجب ان نبدأ بالإحماء من شهر رجب وشعبان بالصيام لنستقبل شهر رمضان ونحن مهيئين للصيام فنحن نقوم بإعداد السلات الرمضانية من شهر شعبان لتوزيعها على المحتاجين في شهر رمضان لنهيئ الناس ايضاً للصيام ونستعد لإقامة الجلسات الرمضانية قدر الإمكان ونعمل على توعية الآخرين ونصحهم في البيت ومكان العمل الخ.. ولن يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ثم انتقل الحديث لوصال الاسدي/ كاتبة: من أهم غايات الدين الاسلامي ان يكون الشخص محمل بالمسؤولية وذكر الله، فيقول الله جل جلاله في محكم كتابه الكريم: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). وكل هذه الامور التي ذكرت بالآية انواع للمسؤوليات فتحمل مسؤولية الأمر بالمعروف في هذا الشهر تجعلني صاحبة هدف ويكون مردوده علي وعلى المجتمع، والنهي عن المنكر والايمان بالله كلها اهداف سامية ومهم جداً أن نقوم ببناء الانسان وذاته وشخصيته فيجب أن يكون هناك بناء داخلي لنفسية الانسان وبعد ذلك أحمله المسؤوليات حتى يكون كفؤاً او لا يكون، فيجب أولاً أن أغير الانسان وأؤسس هذا الاساس فيه وأغير نمطية الحياة الخاطئة فيندمج لديه التأسيس والالغاء، فيتكون عندي بذلك شخص بشخصية جديدة تتحمل المسوؤلية وتؤمن بالله غير اتكالية، بينما للأسف ارى ان شعب العراق بشبابه شعب اتكالي، وأهم عوامل التغير في الشباب هي أن ازرع الثقة فيهم لأخرجهم من القوقعة التي هم فيها، قوقعة التكنولوجيا التي دخلت بكل تفاصيل الحياة والثقة لها أثر في جعل الشباب يواجهون المجتمع فأحملهم شيئاً فشيئاً المسؤولية، بدايةً أحمله مسؤولية بسيطة تدريجياً ليتحمل المسؤولية الكبرى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبناء أسرة صحيحة ومجتمع صحيح، وبالتالي يكون لدينا عالم مليء بالمحبة والتكاتف والتكافل الاجتماعي.
بينما الشيخ مرتضى معاش، يرى ان "بناء المسؤولية وليس فقط الاحساس بالمسؤولية هي حركة اجتماعية وليست حركة فردية، فالمجتمع يعيش حالة من الانفلات والانانية والانعزال الاجتماعي فالجار لايصل جاره وعنده حالة من اللامبالاة المطلقة، ومشكلة الفساد في الدوائر وفي كل مكان والشوارع دلالة على عدم المسؤولية وعدم تحرك المجتمع لبناء المسؤولية، والسبب ان النظام الاستبدادي والنظام الشمولي السابق عزل الافراد ومسخ الهويات وحول المجتمع الى مجتمع متبعثر منعزل منفلت وغير مسؤول، حيث يرى بعض المفكرين في علم السياسة ان الانظمة الشمولية تمسخ هوية الانسان وتجتث اخلاقه وتجعله مبعثرا ولايملك أي حس بالانتماء لهذا المجتمع، نحن نحتاج الى بناء المسؤولية عند الانسان العراقي بشكل خاص وبشكل عام عند المسلم وعند البشرية، فالعالم اليوم يعيش حالة من الفردية والعزلة وعدم الشعور بالآخر فأي مكان نذهب اليه نرى حرب وقتل بالآلاف ولا احد يهتم بينما نرى الاهتمام بالعرس الملكي البريطاني وهذا يدل على البلادة التي يعيشها العالم اليوم".
وأضاف "المسؤولية في تعريفها تنبع من كوني انسان (وقفوهم انهم مسؤولون). فالانسان مكلف في الحياة وهذا التكليف في مقابل واجبه الاجتماعي وواجبه الانساني وواجبه الالهي في الاخرة ففي يوم القيامة هناك حساب لكل شيء يفعله الانسان (ومن يعمل مثقال ذرة...).
وهذا ينبع من كوني كائن اجتماعي يعيش مع الآخرين لان هناك حالة من التكامل الاجتماعي بين الافراد احدهم يكمل احدهم الاخر ويحتاج اليه، حتى في الغابة هناك مسؤولية بين الحيوانات كل واحد يتكفل بجانب من جوانب الغابة، كذلك نحن نحتاج المسؤولية لبناء النظام، عندما يكون الانسان منفلتا ولا يشعر باحترامه للمجتمع نصبح بحالة فوضى، فمجتمع بلا نظام مجتمع هش فالنظام سنة كونية تحقق التوازن والالتزام، مع ملاحظة ان النظام عند البشر اختياري وليس جبري فنحن من نختار النظام او الفوضى، والموجود اليوم في مجتمعاتنا هو خيار الفوضى والعزلة حيث كل واحد يعمل لوحده".
وأشار الى ان "شهر رمضان يعلم الانسان على الصبر، والصبر هو محور المسؤولية وجوهر المسؤولية، وحين نتكلم عن شهر رمضان فنحن نتعلم ونعلم ابناءنا ومجتمعنا كيف يكون صبورا تجاه الاخرين والمشكلات والأزمات، لابد ان يكون لدينا احساس بالوظيفة فانا مسؤول عن كل شيء، والقضية ليس ما يعجبني وما ارغب به انما هو واجب لنبني مجتمعا سليما صالحا".
ام محسن معاش/ مديرة جمعية المودة والازدهار قالت: شهر رمضان خارج عن المألوف عن الاشهر فيجب ان يكون برنامج الانسان فيه خارج المألوف فهو مثل انسان يجب ان يكون لديه جرد لكل الحسابات لما فعله مع أسرته ونفسه ومجتمعه، شهر رمضان يهدف لبناء المسؤولية اي الانسان يجب أن لا يرى نفسه فقط فيخرج من التفكير الأناني ليخطو نحو الفرد الأمة اي انك تنمي نفسك وغيرها فدع الاشعاع منك يكون للآخرين فأعمال الخير تمشي، فكن انت المبادر. (السابقون السابقون). حيث يقول الامام الصادق ( عليه السلام): لابد للخير أن يقع فاستعد انت ان تكون من اهل الخير.
فتنمية حس المسؤولية يكون بالشعور بآلام الاخرين ليستوي الفقير والغني، فالسلات الرمضانية جيدة، تهيء الطعام للفقير لكن الأفضل أن تعلمه مهنة ليتحمل مسؤولية الحياة، فالزيارات الاجتماعية وصلة الارحام التي تبين ثقافة المسؤولية واحترام الآخر وتكون سبب لنحس بالآخرين وبمشاكلهم ونساعدهم بالحل فكن انت من اهل الخير.
وكان مسك الختام مع العلوية ولاء الموسوي/كاتبة: التميز الموجود في شهر رمضان هو إن العالم الاسلامي أجمع يجتمع على ذكر الله وبذكر الله تطمئن القلوب، وهذا ينبع من الفطرة السليمة التي فطر سبحانه عليها عباده والتي تدعو الانسان لكل خير، فالصبر على الجوع والعطش لابد أن يولد الشعور بالآخر الذي يعاني الجوع باقي أيام السنة وهو بداية الشعور بالمسؤولية والصبر عامل مهم جداً لتحمل كلٌ مسؤوليته.
بناء المسؤولية يحتاج الى تربية الابناء وتعليمهم على تحمل المسؤولية من الصغر ازرع فيهم الشعور بآلام الآخرين والخروج من قوقعة الذات فمثلاً نرى الشعب العراقي يرمي بكل لومه على الحكومة بالوقت الذي هم مشاركين بسوء الوضع فيه.
جدير بالذكر ان جمعية المودة والازدهار النسوية تهدف الى توعية وتحصين المرأة ثقافياً لمواجهة تحديات العصر والعمل على مواجهة المشاكل التي تواجهها واعداد العلاقات التربوية الواعية التي تُعنى بشؤون الاسرة وكذلك دعم ورعاية الطفولة بما يضمن خلق جيل جديد واع وتسعى الجمعية لتحقيق اهدافها عبر اقامة المؤتمرات والندوات والدورات واصدار الكراسات واعداد البحوث والدراسات المختصة بقضايا المرأة والطفل
اضافةتعليق
التعليقات